فلو كان ادّعاء التوحيد وترك عبادة الأصنام أمراً واقعياً لكان آباؤنا الذين كانوا بتلك العظمة والشخصية قد أدركوا ذلك ، وكنّا قد سمعنا ذلك منهم ، لذا فهو مجرد حديث كاذب وليست له سابقة.
وعبارة (الْمِلَّةِ الْأَخِرَةِ) تشير إلى آخر الأديان قبل ظهور نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله.
«إختلاق» : مشتقة من «خلق» وتعني إبداء أمر لم تكن له سابقة ، والمراد في الآية ـ مورد البحث ـ أنّ التوحيد الذي دعا إليه هذا النبي مجهول بالنسبة لنا ولآبائنا الأوّلين.
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (١٠) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ) (١١)
الآيات السابقة تحدثت عن المواقف السلبية التي إتّخذها المعارضون لنهج التوحيد والإسلام ، ونواصل في هذه الآيات الحديث عن مواقف المشركين ، فمشركو مكة بعد ما أحسّوا أنّ مصالحهم اللامشروعة باتت في خطر ، وإثر تزايد إشتعال نيران الحقد والحسد في قلوبهم ، ومن أجل خداع الناس وإقناع أنفسهم عمدوا إلى مختلف الإدّعاءات بمنطق زائف لمحاربة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ومنها سؤالهم بتعجب وإنكار : (أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذّكْرُ مِن بَيْنِنَا).
من البديهي أنّ أشكال التعجب والإنكار المتولّدة عن الخطأ في «تحديد القيم» إضافة إلى الحسد وحبّ الدنيا ، لا يمكن أن تكون معياراً منطقياً في القضاء.
لهذا فإنّ تتمّة الآية تقول : إنّ مرض اولئك شيء آخر ، إنّهم في حقيقة الأمر يشكّكون في أمر الوحي وأمر الله (بَلْ هُمْ فِى شَكّ مّن ذِكْرِى).
ملاحظاتهم التي لا قيمة لها على شخصية الرسول ما هي إلّاأعذار واهية ، وشكّهم وتردّدهم في هذه المسألة ليس بسبب وجود إبهام في القرآن المجيد ، وإنّما بسبب أهوائهم النفسية وحبّ الدنيا وحسدهم.
وفي نهاية الأمر فإنّ القرآن الكريم يهدّدهم بهذه الآية : (بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابَ). أي إنّ هؤلاء لم يذوقوا العذاب الإلهي ، ولهذا السبب تجاسروا على رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ويضيف القرآن الكريم في الردّ عليهم : هل يمتلكون خزائن الرحمة الإلهية كي يهبوا أمر