النبوّة لمن يرغبون فيه ، ويمنعونها عمّن لا يرغبون فيه؟ (أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ).
فالله سبحانه وتعالى بمقتضى كونه (ربّ) هذا الكون ومالكه ، وباريء عالم الوجود وعالم الإنسانية ، ينتخب لتحمل رسالته شخصاً يستطيع قيادة الامة إلى طريق التكامل والتربية. وبمقتضى كونه (العزيز) فإنّه لا يقع تحت تأثير الآخرين ويسلّم مقام الرسالة إلى أشخاص غير لائقين. ولكونه (الوهّاب) فإنّه ينفذ أيّ شيء يريده ، ويمنح مقام النبوّة لكل من يرى فيه القدرة على تحمّله.
ويمكن الاستفادة من كلمة (رحمة) هنا في أنّ النبوّة إنّما هي رحمة ولطف ربّ العالمين بعالم الإنسانية.
الآية اللاحقة واصلت تناول نفس الموضوع ، ولكن من جانب آخر ، حيث قالت : (أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِى الْأَسْبَابِ).
هذا الكلام يعدّ مكمّلاً للبحث السابق ، إذ جاء في الآية السابقة : إنّكم لا تمتلكون خزائن الرحمة الإلهية ، كي تمنحوها لمن تنسجم أهواؤه مع أهوائكم ، والآن تقول الآية التالية لها : بعد أن تبيّن أنّ هذه الخزائن تحت تصرف الباريء عزوجل ، إذن فليس أمامكم غير طريق واحد ، وهو أن ترتقوا إلى السماوات لتمنعوا الوحي أن ينزل على رسول الله وإنّكم تعرفون أنّ تحقيق هذا الأمر شيء محال ، وأنتم عاجزون عن تنفيذه.
الآية الأخيرة في بحثنا جاءت بمثابة تحقير لُاولئك المغرورين السفهاء ، قال تعالى : (جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مّنَ الْأَحْزَابِ). فهؤلاء جنود قلائل مهزومون ...
«هنالك» إشارة للبعيد ، وبسبب وجودها في الآية ، فقد اعتبر بعض المفسرين أنّها إشارة إلى هزيمة المشركين في معركة بدر ، التي دارت رحاها في منطقة بعيدة بعض الشيء عن مكة المكرّمة.
وإستخدام كلمة (الأحزاب) هنا إشارة ـ حسب الظاهر ـ إلى كل المجموعات التي وقفت ضدّ رسل الله ، والذين أبادهم الباريء عزوجل.
وفي ذلك اليوم لم تكن هنالك الإنتصارات في بدر والأحزاب وحنين قد تحققت.
ولكن القرآن قال بحزم إنّ هؤلاء الأعداء ـ الذين هم مجموعة صغيرة من تلك المجموعات ـ سيهزمون في نهاية المطاف.