واليوم يبشّر القرآن الكريم مسلمي العالم المحاصرين من كل الجهات من قبل القوى المعتدية والظالمة بنفس البشائر التي بشّر بها المسلمين قبل (١٤٠٠) عام ، في أنّ الله سبحانه وتعالى سينجز وعده في هزيمة جند الأحزاب ، إن تمسك مسلمو اليوم بعهودهم تجاه الله كما تمسّك بها المسلمون الأوائل.
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزَابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (١٤) وَمَا يَنْظُرُ هؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (١٥) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) (١٦)
تكفيهم صيحة سماوية واحدة : تتمة للآية الآنفة الذكر ، التي بشّرت بهزيمة المشركين مستقبلاً ، تناولت آيات بحثنا الحالي بعض الأحزاب التي كذّبت رسلها ، وبيّنت المصير الأليم الذي كان بإنتظارها ، إذ تقول : إنّ أقوام نوح وعاد وفرعون ذي الأوتاد كانت قد كذّبت قبلهم بآيات الله ورسله ، (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ).
كذلك أقوام ثمود ولوط وأصحاب الأيكة ـ أي قوم شعيب ـ كانت هي الاخرى قد كذّبت رسلهم : (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزَابُ).
فكلّ قوم من هذه الأقوام كذّب بما جاء به رسل الله ، وأنزل العذاب الإلهي بحقّه : (إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ).
والتاريخ بيّن كيف أنّ كل قوم من تلك الأقوام ابيد بشكل من أشكال العذاب ، وكيف أنّ مدنهم تحوّلت إلى خرائب وأطلال خلال لحظات ، وأصبح ساكنوها أجساد بلا أرواح!
فهل يتوقّع مشركو مكة أن يكون مصيرهم أفضل من مصير اولئك من جرّاء الأعمال العدائية التي يقومون بها؟ لذا فإنّ الآية التالية تخاطبهم بلغة التهديد الحازمة والقاطعة : ما ينتظر هؤلاء من جرّاء أعمالهم إلّاصيحة سماوية واحدة تقضي عليهم وتهلكهم وما لهم من رجوع ، (وَمَا يَنظُرُ هؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِن فَوَاقٍ).
يمكن أن تكون هذه الصيحة مماثلة للصيحات السابقة التي نزلت على الأقوام الماضية ، كأن تكون صاعقة رهيبة أو زلزالاً عنيفاً يدمّر حياتهم وينهيها.
وقد تكون إشارة إلى صيحة يوم القيامة ، التي عبّر عنها القرآن الكريم ب (النفخة الاولى في الصور).