وآخر نعمة إلهية انعمت على داود هي تمكّنه من القضاء والحكم بصورة صحيحة وعادلة (وَفَصْلَ الْخِطَابِ).
وهناك إحتمال آخر لتفسير هذه العبارة ، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى أعطى داود منطقاً قويّاً يدلّل على سمو وعمق تفكيره ، ولم يكن هذا خاصّاً بالقضاء وحسب ، بل في كل أحاديثه.
(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢) إِنَّ هذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (٢٥)
داود والإمتحان الكبير : تتمة للآيات السابقة التي إستعرضت الصفات الخاصة بداود والنعم الإلهية التي أنزلها الباريء عزوجل عليه ، يبيّن القرآن المجيد أحداث قضية عرضت على داود. ففي البداية يخاطب القرآن المجيد الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله : (وَهَلْ أَتَيكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ).
«الخصم» : تطلق على الطرفين المتنازعين.
«تسوّروا» : مشتقة من «سور» وهو الحائط العالي الذي يبنى حول البيت أو المدينة ؛ وتعني هذه الكلمة في الأصل القفز أو الصعود إلى الأعلى.
فرغم أنّ داود عليهالسلام كان محاطاً بأعداد كبيرة من الجند والحرس ، إلّاأنّ طرفي النزاع تمكّنا ـ من طريق غير مألوف ـ تسوّر جدران المحراب ، والظهور أمام داود عليهالسلام فجأةً ، ففزع عند رؤيتهما ، إذ دخلا عليه بدون إستئذان ومن دون إعلام مسبق ، وظنّ داود عليهالسلام أنّهم يكنّون له السوء : (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ).