ومحمّد صلىاللهعليهوآله ـ من ذرّيته ، وهذا دليل على صدق تنبؤ القرآن في هذا الباب.
والآية التالية جواب عن سؤال وهو : في مثل هذه الحال لِمَ لا يعذّب الله مشركي مكة؟ ألم نقرأ في الآيات السابقة : (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ).
فتقول الآية مجيبة : (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلَاءِ وَءَابَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ).
فنحن لم نكتف بحكم العقل ببطلان الشرك والوثنيّة ، ولا بحكم وجدانهم بالتوحيد ، بل أمهلناهم لإتمام الحجّة عليهم حتى يقوم هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهذا النبي العظيم محمّد صلىاللهعليهوآله بهدايتهم.
إلّا أنّ العجيب أنّه : (وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ).
(وَقَالُوا لَوْ لَا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٣٢)
لمَ لم ينزل القرآن على أحد الأغنياء : كان الكلام في الآيات السابقة في ذرائع المشركين في مواجهة دعوة الأنبياء ، فكانوا يتّهمونهم بالسحر تارة ، ويتوسلون تارة أخرى بتقليد الآباء وينبذون كلام الله وراء ظهورهم ، وتشير الآيات ـ مورد البحث ـ إلى حجّة واهية اخرى من حجج اولئك المشركين ، فتقول : (وَقَالُوا لَوْلَا نُزّلَ هذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ). أي : مكة والطائف.
لقد كانوا معذورين بتشبثهم بمثل هذه الذريعة من جهة ، إذ كان المعيار في تقييمهم للبشر هو المال والثروة والمقام الظاهري والشهرة.
وهذا هو السبب في بلاء المجتمعات البشرية العظيم ، والعامل الأساس في انحرافها الفكري ، حيث تقلب الحقائق تماماً في بعض الأحيان.
ويردّ القرآن الكريم بأجوبة قاطعة على هذا النمط من التفكير المتسافل الخرافي ، ويجسد النظرة الإلهية الإسلامية تماماً ، فيقول : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبّكَ). فيمنحوا النبوّة من يشاؤون ، وينزلوا عليه الكتاب السماوي.
فضلاً عن ذلك ، فإنّ وجود التفاوت والإختلاف بين البشر من ناحية مستوى المعيشة ، لا يدلّ على تفاوتهم في المقامات والمنازل المعنويّة مطلقاً ، بل : (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ