يتأثر الناس من طلاب الدنيا ويميلوا إلى الكفر لجعل الله تعالى هذه الامور من نصيب هذه الفئة فقط ، ليعلم الجميع أنّ هذه الامور ليست هي المعيار والمقياس لشخصية الإنسان وقيمته ومقامه.
ومن هنا يتّضح أنّ وجود جماعة من الكفار والظالمين بهذه القدرة المادية ليس دليلاً على رفعة شخصيتهم ، ولا أنّ حرمان المؤمنين منها ، أو من التمتع بها في حد المعقول كأدوات للزينة ، يضر بإيمانهم وتقواهم ، وهذا هو التفكير الإسلامي والقرآني الصحيح.
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (٤٠)
أقران الشياطين : لما كان الكلام في الآيات السابقة عن عبدة الدنيا الذين يقيّمون كل شيء على أساس المعايير المادية ، فإنّ الآيات ـ مورد البحث ـ تتحدث عن أحد الآثار المميتة الناشئة عن الإرتباط بالدنيا والتعلق بها ، ألا وهو الإبتعاد عن الله سبحانه. تقول الآية الاولى : (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (١).
نعم ، إنّ الغفلة عن ذكر الله ، والغرق في لذات الدنيا ، والإنبهار بزخارفها ومغرياتها يؤدّي إلى تسلط شيطان على الإنسان يكون قرينه دائماً ، ويلقي لجاماً حول رقبته يشدّه به ، ويجرّه إليه ليذهب به حيث يشاء.
ثم أشارت الآية التالية إلى أمر مهم كانت الشياطين تقوم به في شأن هؤلاء الغافلين ، فقالت : (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ).
وتزين الشياطين طريق الضلال لهم إلى الحد الذي يظنون : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ). وهكذا تستمر هذه الحالة على هذا المنوال ، فيبقى الإنسان الغافل الجاهل على ضلاله ، وتستمر الشياطين في إضلاله ، حتى ترفع الحجب ، وتنفتح عين رؤيته على الحقيقة : (حَتَّى
__________________
(١) «نقيّض» : من مادة قيض ، وهي في الأصل بمعنى الغشاء الذي يغطي البيضة ، ثم جاءت بمعنى جعل شيء مستولياً على شيء آخر.