إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنَ فَبِئْسَ الْقَرِينُ).
نعم ، إنّ عرصة القيامة تجسيد واسع لمشاهد هذه الدنيا ، والقرين والرفيق والقائد والدليل هنا وهناك واحد ، بل إنّهما ـ برأي بعض المفسرين ـ يقرنان بسلسلة واحدة.
إلّا أنّ هذا الأمل لا يتحقق مطلقاً ، ولا يمكن أن يقع الإفتراق أو البون بين هؤلاء وبين الشياطين ، ولذلك فإنّ الآية التالية تضيف : (وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ). فيجب أن تذوقوا عذاب قرين السوء هذا مع أنواع العذاب الاخرى إلى الأبد.
وبهذا فإنّ القرآن الكريم يبدل أمل هؤلاء في الإفتراق عن الشياطين إلى يأس دائم.
ويترك القرآن هنا هذه الفئة وشأنها ، ويوجه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله ويتحدث عن الغافلين عمي القلوب الذى كذّبوا إرتباطه بالله ، وهم من جنس من تقدم الكلام عنهم في الآيات السابقة ، فيقول : (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِى الْعُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَللٍ مُّبِينٍ).
إنّ القرآن يقول بنوعين من السمع والبصر والحياة للإنسان : السمع والبصر والحياة الظاهرية ، والسمع والبصر والحياة الباطنية ، والمهم هو القسم الثاني من الإدراك والنظر والحياة ، فإنّها إذا تعطلت فلا ينفع حينئذ موعظة وإرشاد ، ولا إنذار وتحذير.
(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤٥)
متابعة للآيات السابقة التي كانت تتحدث عن الكفار المعاندين الظالمين الذين لا أمل في هدايتهم ، تخاطب هذه الآيات نبي الأكرم صلىاللهعليهوآله مهدّدة الكفار أشدّ تهديد من جانب ، ومسليّة خاطر النبي صلىاللهعليهوآله فتقول : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ).
والمراد من الذهاب بالنبي صلىاللهعليهوآله من بين اولئك القوم ، وفاته.
ثم تضيف الآية : (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِى وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ).
فهم في قبضتنا على أية حال ، سواء كنت بينهم أم لم تكن ، والعقاب والإنتقام الإلهي حتمي في حقّهم إذا ما استمروا في أعمالهم.