وقد أريناهم بعد معجزتي العصا واليد البيضاء معاجز الطوفان والجراد والقمل والضفادع وغيرها.
ثم تضيف الآية :
(وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
إنّ هذه الحوادث وإن كانت تنبه هؤلاء بصورة مؤقتة ، فيلجأون إلى موسى ، غير أنّهم بمجرد أن تهدأ العاصفة ينسون كل شيء ، ويجعلون موسى غرضاً لسهام أنواع التهم ، كما نقرأ ذلك في الآية التالية : (وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ).
أي تعبير عجيب هذا! فهم من جانب يسمّونه ساحراً ، ومن جانب آخر يلجأون إليه لرفع البلاء عنهم ، ومن جانب ثالث يعدونه بتقبل الهداية.
إنّ موسى رغم كل هذه التعبيرات اللاذعة والمحقرة لم يكفّ عن السعي لهدايتهم مطلقاً ، ولم ييأس بسبب عنادهم وتعصبهم ، بل استمرّ في طريقه ، ودعا ربّه مرات كي تهدأ عواصف البلاء ، وهدأت ، لكنّهم كما تقول الآية التالية : (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ).
كل هذه دروس حيّة وبليغة للمسلمين ، وتسلية للنبي صلىاللهعليهوآله لكي لا ينثنوا مطلقاً أمام عناد المخالفين وتصلبهم.
وهي أيضاً تحذير للأعداء اللجوجين المعاندين ، بأنّهم ليسوا أقوى من فرعون وآل فرعون ولا أشد ، فلينظروا عاقبة أمر اولئك ، وليتفكروا في عاقبتهم.
(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (٥٦)
إذا كان نبيّاً فلم لا يملك أسورة من ذهب : لقد ترك منطق موسى عليهالسلام من جهة ، ومعجزاته المختلفة من جهة اخرى ، وزعزعت أفكار الناس واعتقادهم بفرعون.
هنا أراد فرعون بسفسطته ومغالطته أن يمنع نفوذ موسى عليهالسلام عن التأثير في أفكار شعب مصر ، كما يذكر ذلك القرآن الكريم حيث يقول : (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى