يبيّن القرآن الكريم في الآيات التالية تركة الفراعنة العظيمة التي ورثها بنو إسرائيل ، ضمن خمسة مواضيع تكون الفهرس العام لكل حياة الفراعنة ، فيقول أوّلاً : (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
لقد كانت البساتين والعيون ثروتين من أهم وأروع ثروات هؤلاء.
ثم يضيف القرآن الكريم : (وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ). وكانت هاتان ثروتين مهمّتين أخريين ، فمن جهة كانت الزراعة العظيمة التي تعتمد على النيل ، حيث أنواع المواد الزراعية الغذائية وغيرها ، والمحصولات التي امتدت في جميع أنحاء مصر ، وكانوا يستخدمونها غذاءاً لهم ويصدرون الفائض منها إلى الخارج ؛ ومن جهة اخرى كانت القصور والمساكن العامرة ، حيث إنّ من أهم مستلزمات حياة الإنسان هو المسكن المناسب.
ولمّا كان هؤلاء يمتلكون وسائل رفاه كثيرة غير الامور الأربعة المهمة التي مرّ ذكرها ، فقد أشار القرآن إليها جميعاً في جملة مقتضبة ، فقال : (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ).
ثم يضيف : (كَذلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًاءَاخَرِينَ).
والمراد من (قَوْمًاءَاخَرِينَ) هم بنو إسرائيل ، حيث صرّح بذلك في الآية (٩٥) من سورة الشعراء.
وقد عادوا إلى مصر بعد غرق الفراعنة وورثوا ميراثهم ، وحكموا هناك.
وتقول الآية الأخيرة من هذه الآيات : (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ).
إنّ عدم بكاء السماء والأرض ربّما كان كناية عن حقارتهم ، وعدم وجود ولي ولا نصير لهم ليحزن عليهم ويبكيهم.
(وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ) (٣٣)
بنو إسرائيل في بوتقة الاختبار : كان الكلام في الآيات السابقة عن غرق الفراعنة وهلاكهم ، وانكسار شوكتهم وانتهاء حكومتهم ، وانتقالها إلى الآخرين ، وتتحدث هذه