(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (٣٩)
قوم تبع : لقد كانت أرض اليمن ـ الواقعة في جنوب الجزيرة العربية ـ من الأراضي العامرة الغنية ، وكانت في الماضي مهد الحضارة والتمدن ، وكان يحكمها ملوك يسمّون «تبّعاً» ـ وجمعها تبابعة ـ لأنّ قومهم كانوا يتبعونهم ، أو لأنّ أحدهم كان يخلف الآخر ويتبعه في الحكم.
وهذه الآيات تواصل البحث الذي ورد حول مشركي مكة وعنادهم وإنكارهم للمعاد ـ فتهدد اولئك المشركين من خلال الإشارة إلى قصة قوم تبّع ، بأنّ ما ينتظركم ليس العذاب الإلهي في القيامة وحسب ، بل سوف تلاقون في هذه الدنيا أيضاً مصيراً كمصير قوم تبّع المجرمين الكافرين ، فتقول : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ).
ثم تعود الآية التي بعدها إلى مسألة المعاد مرّة اخرى ، وتثبت هذه الحقيقة باستدلال رائع ، فتقول : (وَمَا خَلَقْنَا السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لعِبِينَ) (١).
فإذا كان الموت بزعمكم نقطة النهاية فسيكون هذا الخلق لعباً ولهواً وعبثاً ، لا فائدة من ورائه ولا هدف.
ثم تضيف الآية التي بعدها لتأكيد الكلام : (مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ).
إنّ كون هذا الخلق حقاً يوجب أن يكون له هدف عقلائي ، وذلك الهدف لا يتحقق إلّا بوجود عالم آخر. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ) ، لأنّهم لا يعملون الفكر في التوصل إلى الحقائق ، وإلّا فإنّ أدلة المبدأ والمعاد واضحة بينة.
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٤٢)
__________________
(١) «لاعب» : من مادة «لعب» ، ويقول الراغب في المفردات : لعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصداً صحيحاً.