«التلاوة» : من مادة «تلو» أي الإتيان بالكلام بعد الكلام متعاقباً ، وبناء على هذا فإنّ تلاوة آيات القرآن تعني قراءتها بصورة متوالية متعاقبة.
والتعبير «بالحق» إشارة إلى محتوى هذه الآيات ، وهو أيضاً إشارة إلى كون نبوّة النبي صلىاللهعليهوآله والوحي الإلهي حقّاً. وبعبارة اخرى ، فإنّ هذه الآيات بليغة معبرة تضمنت في طياتها الاستدلال على حقانيتها وحقانية من جاءها.
وحقّاً إذا لم يؤمن هؤلاء بهذه الآيات فبأي شيء سوف يؤمنون؟ ولذلك تعقب الآية : (فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَءَايَاتِهِ يُؤْمِنُونَ).
حقّاً إنّ للقرآن الكريم محتوىً عميقاً من ناحية الاستدلال والبراهين على التوحيد ، وكذلك فهو يحتوي على مواعظ وإرشادات تجذب العباد إلى الله سبحانه حتى القلوب التي لها أدنى استعداد ـ أو أرضية صالحة ـ وتدعو كل مرتبط بالحق إلى الطهارة والتقوى ، فإذا لم تؤثر هذه الآيات البينات في أحد فلا أمل في هدايته بعد ذلك.
(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (١٠)
ويل لكل أفّاك أثيم : رسمت الآيات السابقة صورة عن فريق يسمعون كلام الله مدعماً بمختلف أدلة التوحيد والمواعظ والإرشاد ، فلا يترك أثراً في قلوبهم القاسية ، أمّا هذه الآيات فتتناول بالتفصيل عواقب أعمال هذا الفريق ، فتقول أوّلاً : (وَيْلٌ لِّكُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ).
«الأفّاك» : صيغة مبالغة ، وهي تعني الشخص الذي يكثر الكذب جدّاً ، وتقال أحياناً لمن يكذب كذبة عظيمة حتى وإن لم يكثر من الكذب.
و «الأثيم» : من مادة إثم ، أي المجرم والعاصي ، وتعطي أيضاً صفة المبالغة.
ويتّضح من هذه الآية جيداً أنّ الذين يقفون موقف الخصم العنيد المتعصب أمام آيات الله سبحانه هم الذين غمرت المعصية كيانهم ، فانغمسوا في الذنوب والآثام والكذب ، لا اولئك الصادقون الطاهرون ، فإنّهم يذعنون لها لطهارتهم ونقاء سريرتهم.