مواصلة للبحوث التي وردت في الآيات السابقة حول عظمة آيات الله ، تتناول هذه الآيات نفس الموضوع ، فتقول : (هذَا هُدًى). فهو يميز بين الحق والباطل ، ويضيء حياة الإنسان ، ويأخذ بيد سالكي طريق الحق ليوصلهم إلى هدفهم ومنزلهم المقصود ، لكن : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَايَاتِ رَبّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ).
«الرجز» : يعني الاضطراب والإهتزاز وعدم الإنتظار ، وتطلق هذه الكلمة أيضاً على مرض الطاعون والإبتلاءات الصعبة ، أو العواصف الثلجية الشديدة ، والوساوس الشيطانية وأمثال ذلك ، لأنّ كل هذه الامور تبعث على الإضطراب وعدم الإنتظام والانضباط.
ثم تحول زمام الحديث إلى بحث التوحيد الذي مرّ ذكره في الآيات الاولى لهذه السورة ، فتعطي المشركين دروساً بليغة مؤثرة في توحيد الله سبحانه ومعرفته. فتارة تدغدغ عواطفهم ، وتقول : (اللهُ الَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِىَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
بعد بيان السفن التي لها تماس مباشر بحياة البشر اليومية ، تطرقت الآية التي بعدها إلى مسألة تسخير سائر الموجودات بصورة عامة ، فتقول : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مّنْهُ).
فلماذا يعرض الإنسان عنه ويلجأ إلى غيره ، ويتسكع على أعتاب المخلوقات الضعيفة ، ويبقى في غفلة وذهول عن المنعم الحقيقي عليه؟ ولذلك تضيف الآية في النهاية : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
لقد كانت الآية السابقة تلامس عاطفة الإنسان وتحاول إثارتها ، وهنا تحاول هذه الآية تحريك عقل الإنسان وفكره ، فما أعظم رحمة ربّنا سبحانه! إنّه يتحدث مع عباده بكل لسان وأسلوب يمكن أن يطبع أثره ، فمرّة بحديث القلب ، واخرى بلسان الفكر ، والهدف واحد من كل ذلك ، ألا وهو إيقاظ الغافلين ودفعهم إلى سلوك السبيل القويم.
ثم تطرقت الآية التالية إلى ذكر قانون أخلاقي يحدد كيفية التعامل مع الكفار لتكمل أبحاثها المنطقية السابقة عن هذا الطريق ، فحولت الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله وقالت : (قُلْ لِلَّذِينَءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَايَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ).
فمن الممكن أن تكون معاملة هؤلاء قاسية ، وتعبيراتهم خشنة غير مؤدبة ، وألفاظهم بذيئة ، وذلك لبعدهم عن مبادئ الإيمان وأسس التربية الإلهية ، غير أنّ عليكم أن تقابلوهم