جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا). فلا تُسلب هذه النعمة الكبرى عنهم أبداً ..
وإضافة إلى ذلك فإنّ الله يعفو عنهم (وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذلِكَ عِندَ اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا).
وبهذا فإنّ الله قد وهب المؤمنين بإزاء ما وهب لنبيّه في فتحه المبين من المواهب الأربعة موهبتين عظيمتين هما : «الجنة خالدين فيها» و «التكفير عن سيّئاتهم» بالإضافة إلى إنزال السكينة على قلوبهم ومجموع هذه المواهب الثلاث يعدّ فوزاً عظيماً لأولئك الذين خرجوا من الإمتحان بنجاح وسلامة.
غير أنّ إزاء هذه الجماعة ، جماعة المنافقين والمشركين الذين تتحدث الآية التالية عن عاقبتهم بهذا الوصف فتقول : (وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ).
أجل ، لقد ظنّ المنافقون حين تحرّك النبي صلىاللهعليهوآله ومعه المؤمنون من المدينة أن لا يعودوا نحوها سالمين.
ثم يفصّل القرآن ببيان عذاب هؤلاء وعقابهم ويجعله تحت عناوين أربعة فيقول أوّلاً : (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ). «الدائرة» : في اللغة هي الحوادث وما ينجم عنها أو ما يتّفق للإنسان في حياته ، فهي أعم من أن تكون حسنةً أو سيّئة غير أنّها هنا بقرينة كلمة «السوء» يراد منها الحوادث غير المطلوبة.
وثانياً : (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ).
وثالثاً : (وَلَعَنَهُمْ).
ورابعاً : فإنّه بالمرصاد (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة اخرى إلى عظمة قدرة الله فتقول الآية : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).
وممّا يستلفت النظر أنّ القرآن حين يذكر المؤمنين يصف الله بالعلم والحكمة ، وهما يناسبان مقام الرحمة ، ولكنّه حين يذكر المنافقين والمشركين يصف الله بالعزة والحكمة ، وهما يناسبان العذاب.
ما المراد من جنود السماوات والأرض : هذا التعبير له معنى واسع حيث يشمل الملائكة «وهي من جنود السماء» كما يشمل جنوداً اخر كالصواعق والزلازل والطوفانات والسيول والأمواج والقوى الغيبية غير المرئية التي لا نعرف عنها شيئاً .. لأنّ جميع هذه الأشياء هي جنود الله وهي مطيعة لأوامره.