صحيح أنّ الله قادر على أن يفصل هذه الجماعة عن الآخرين عن طريق الإعجاز ، ولكن سنّة الله ـ في ما عدا الموارد الاستثنائية ـ أن تكون الامور وفقاً للأسباب العادية.
«تزيلوا» : من مادة «زوال» ، وهنا معناها الإنفصال والتفرّق.
ويستفاد من روايات متعدّدة منقولة عن طرق الشيعة والسنّة حول ذيل هذه الآية أنّ المراد منها أفراد مؤمنون كانوا في أصلاب الكافرين والله سبحانه لأجل هؤلاء لم يعذّب الكافرين ..
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٢٦)
التعصب وحمية الجاهلية أكبر سدّ في طريق الكفار : هذه الآية تتحدث مرّة اخرى عن (مجريات) الحديبية وتجسّم ميادين اخرى من قضيتها العظمى ... فتشير أوّلاً إلى واحد من أهم العوامل التي تمنع الكفار من الإيمان بالله ورسوله والإذعان والتسليم للحق والعدالة فتقول : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ).
ولذلك منعوا النبي والمؤمنين أن يدخلوا بيت الله ويؤدّوا مناسكهم وينحروا «الهدي» في مكة. وقالوا : لو دخل هؤلاء ـ الذين قتلوا آباءنا وإخواننا في الحرب ـ أرضنا وديارنا وعادوا سالمين فما عسى أن تقول العرب فينا؟! وأية حيثية واعتبار لنا بعد هذا؟
فهؤلاء ـ بهذا العمل ـ هتكوا حرمة بيت الله والحرم الآمن من جهة ، وخالفوا سننهم وعاداتهم من جهة اخرى ، كما أسدلوا ستاراً بينهم وبين الحقيقة أيضاً.
«الحمية» : في الأصل من مادة حَمي ـ على وزن حمد ـ ومعناها حرارة الشمس أو النار التي تصيب جسم الإنسان وما شاكله ، ومن هنا سمّيت الحُمّى التي تصيب الإنسان بهذا الاسم ؛ «حُمّى» على وزن كبرى ، ويقال لحالة الغضب أو النخوة أو التعصب المقرون بالغضب حمية أيضاً.
ثم تضيف الآية الكريمة ـ وفي قبال ذلك ـ : (فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ).