هذه السكينة التي هي وليدة الإيمان والإعتقاد بالله والإعتماد على لطفه دعتهم إلى الإطمئنان وضبط النفس وأطفأت لهب غضبهم حتى أنّهم قبلوا ـ ومن أجل أن يحفظوا ويرعوا أهدافهم الكبرى ـ بحذف جملة «بسم الله الرحمن الرحيم» التي هي رمز الإسلام في بداية الأعمال وأن يثبتوا ـ مكانها «بسمك اللهم» التي هي من موروثات العرب السابقين ـ في أوّل المعاهدة وحذفوا حتى لقب «رسول الله» الذي يلي اسم محمّد صلىاللهعليهوآله.
وقبلوا بالعودة إلى المدينة من الحديبية دون أن يستجيبوا لهوى عشقهم بالبيت ويؤدّوا مناسك العمرة ، ونحروا هديهم خلافاً للسنّة التي في الحج أو العمرة في المكان ذاته وأحلّوا من احرامهم دون أداء المناسك ..
أجل ، لقد رضوا بمرارة أن يصبروا إزاء كل المشاكل الصعبة ، ولو كانت فيهم حميّة الجاهلية لكان واحد من هذه الامور الآنفة كفيلاً أن يشعل الحرب بينهم في تلك الأرض.
ثم يضيف القرآن في هذا الصدد قائلاً : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا).
«كلمة» : هنا بمعنى «روح» ، ومعنى الآية أنّ الله ألقى روح التقوى في قلوب أولئك المؤمنين وجعلها ملازمة لهم ومعهم.
وتختتم الآية بقوله سبحانه : (وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمًا). فهو سبحانه يعرف نيّات الكفار السيئة ويعرف طهارة قلوب المؤمنين أيضاً فينزل السكينة والتقوى عليهم هنا.
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (٢٧)
رؤيا النبي الصادقة : هذه الآية ـ أيضاً ـ ترسم جانباً آخر من جوانب قصة الحديبية المهمّة ، والقصّة كانت على النحو التالي :
رأى النبي صلىاللهعليهوآله في المدينة رؤيا أنّه يدخل مكة مع أصحابه لأداء مناسك العمرة ، فحدّث أصحابه عن رؤياه فسُرّوا جميعاً ، غير أنّه لمّا كان جماعة من أصحابه يتصورون أنّ تعبير الرؤيا سيتحقق في تلك السنة ذاتها ومنعهم المشركون من الدخول إلى مكة أصابهم الشك والتردد ... ترى هل من الممكن أن تكون رؤيا النبي غير صادقة؟