فكان جواب النبي لهم : هل قلت لكم أنّ هذه الرؤيا ستتحقق هذا العام؟!
فنزلت الآية الآنفة في هذا الصدد والنبي عائد من الحديبية إلى المدينة وأكّدت أنّ هذه الرؤيا كانت صادقة ولابدّ أنّها كائنة ... تقول الآية : (لَّقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقّ). فما رآه النبي في المنام كان حقّاً وصدقاً.
ثم تضيف الآية قائلة : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُءَامِنِينَ مُحَلّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ لَاتَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا). وكان في هذا التأخير حكمةٌ : (فَجَعَلَ مِن دُونِ ذلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا).
جملة (إِنْ شَاءَ اللهُ) هنا لعلها نوع من تعليم العباد لكي يعوّلوا على مشيئة الله عند الإخبار عن المستقبل وأن لا ينسوا إرادة الله ، وأن لا يجدوا أنفسهم غير محتاجين أو مستقلّين عنه.
التعبير ب (فَتْحًا قَرِيبًا) إشارة إلى «فتح خيبر» لأنّه كان «تحقّقه العيني» بعد هذه الرؤيا في فترة أقل زمناً من فتح مكة بعدها.
الآية محل البحث واحدة من المسائل الغيبية التي أخبر عنها القرآن ، وهي شاهد على أنّ هذا الكتاب سماوي وأنّه من معاجز النبي الكريم حيث يخبر قاطعاً عن أداء مناسك العمرة ودخول المسجد الحرام في المستقبل القريب وعن الفتح القريب قبله أيضاً ، وكما نعلم أنّ هذين التنبّؤين قد حدثا فعلاً.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢٩)
في هاتين الآيتين اللتين بهما تنتهي سورة الفتح إشارة إلى مسألتين مهمّتين من «الفتح المبين» أي «صلح الحديبية» : احداهما تتعلّق بعالمية الإسلام والثانية تتعلق بأوصاف