وأوحى الله تعالى موسى عليهالسلام : «من مات تائباً من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة ، ومن مات مصرّاً عليه فهو أوّل من يدخل النار» (١).
في الكافي : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه».
إنّ هذه التأكيدات والعبارات المثيرة إنّما هي للأهمية القصوى التي يوليها الإسلام لصون ماء الوجه وحيثية المؤمنين الاجتماعية ، وكذلك للأثر المخرّب ـ الذي تتركه الغيبة ـ في وحدة المجتمع والإعتماد المتبادل في القلوب.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣)
التقوى أغلى القيم الإنسانية : كان الخطاب في الآيات السابقة موجّهاً للمؤمنين وكان بصيغة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا) ، وقد نهى الذكر الحكيم في آيات متعددة عمّا يوقع المجتمع الإسلامي في خطر ، وتكلّم في جوانب من ذلك.
في حين أنّ الآية محل البحث تخاطب جميع الناس وتبيّن أهم أصل يضمن النظم والثبات ، وتميّز الميزان الواقعي للقيم الإنسانية عن القيم الكاذبة والمغريات الباطلة. فتقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).
والمراد ب (خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) هو أصل الخلقة وعودة أنساب الناس إلى «آدم وحواء» ، فطالما كان الجميع من أصل واحد فلا ينبغي أن تفتخر قبيلة على اخرى من حيث النسب ، وإذا كان الله سبحانه قد خلق كل قبيلة وأولاها خصائص ووظائف معيّنة فإنّما ذلك لحفظ نظم حياة الناس الاجتماعية.
إنّ القرآن بعد أن ينبذ أكبر معيار للمفاخرة والمباهات في العصر الجاهلي ويُلغي التفاضل بالأنساب والقبائل يتّجه نحو المعيار الواقعي القيم ، فيضيف قائلاً : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقكُمْ).
وهكذا فإنّ القرآن يشطب بالقلم الأحمر على جميع الإمتيازات الظاهرية والمادية ، ويعطي الأصالة والواقعية لمسألة التقوى والخوف من الله ، ويقول إنّه لا شيء أفضل من التقوى في سبيل التقرب إلى الله وساحة قدسه.
__________________
(١) المحجّة البيضاء في تهذيب الاحياء ٥ / ٢٥٢.