وبما أنّ «التقوى» صفة روحانية وباطنية ينبغي أن تكون قبل كل شيء مستقرّةً في القلب والروح ، وربّما يوجد مدّعون للتقوى كثيرون والمتصفون بها قلة منهم ، فإنّ القرآن يضيف في نهاية الآية قائلاً : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
فالله يعرف المتقين حقّاً وهو مطّلع على درجات تقواهم وخلوص نيّاتهم وطهارتهم وصفائهم ، فهو يكرمهم طبقاً لعلمه ويثيبهم ، وأمّا المدّعون الكذَبَة فإنّه يحاسبهم ويجازيهم على كذبهم أيضاً.
بحثان
١ ـ القيم الحقّة والقيم الباطلة : لا شك أنّ كل إنسان يرغب بفطرته أن يكون ذا قيمة وافتخار ، ولذلك فهو يسعى بجميع وجوده لكسب القيم ...
إلّا أنّ معرفة معيار القيم يختلف باختلاف الثقافات تماماً ، وربّما أخذت القيم الكاذبة مكاناً بارزاً ولم تُبق للقيم الحقّة مكان في قاموس الثقافة للفرد.
فجماعة ترى بأنّ قيمتها الواقعية في الإنتساب إلى القبيلة المعروفة.
وكان الاهتمام بالقبيلة والإفتخار بالإنتساب إليها من أكثر الامور الوهميّة رواجاً في الجاهلية إلى درجة كانت كل قبيلة تعدّ نفسها أشرف من القبيلة الاخرى ، ومن المؤسف أن نجد رواسب هذه الجاهلية في أعماق نفوس الكثيرين من الأفراد والمجتمعات! وجماعة اخرى تعوّل على مسألة المال والثروة وامتلاكها للقصور والخدم والحشم وأمثال هذه الامور ، فتعدّها دليلاً على القيمة الشخصية وتسعى من أجل كل ذلك دائماً.
وهكذا تخطو كل جماعة في طريق خاص وتنشدّ قلوبها إلى قيمة معينة وتعدّها معيارها الشخصي.
وبما أنّ هذه الامور جميعها أمور متزلزلة ومسائل ذاتية ومادية وعابرة فإنّ مبدأً سماوياً كمبدأ الإسلام لا يمكنه أن يوافق عليها أبداً .. لذلك يشطب عليها بعلامة البطلان ويعتبر القيمة الحقيقية للإنسان في صفاته الذاتية وخاصة تقواه وطهارة قلبه والتزامه الديني.
حتى أنّه لا يكترث بموضوعات مهمة كالعلم والثقافة إذا لم تكن في خطّ «الإيمان والتقوى والقيم الأخلاقية» ...
في الدرّ المنثور عن جابر بن عبدالله قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوآله في وسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال : «يا أيّها الناس! ألا إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على