منها ... الأوّل هو حكايته عنهم : (بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هذَا شَىْءٌ عَجِيبٌ).
وبعد إشكالهم الأوّل على نبوّة النبي محمّد صلىاللهعليهوآله وهو كيف يكون النبي بشراً؟! كان لهم إشكال آخر على محتوى دعوته ووضعوا أصابع الدهشة على مسألة اخرى كانت عندهم أمراً غريباً وهي : (أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ).
إنّ القرآن يردّ عليهم بطرق متعددة ؛ فتارةً يشير إلى علم الله الواسع فيقول : (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ).
إذا كان إشكالكم هو أنّه كيف تجتمع عظام الإنسان النخرة ولحمه الذي صار تراباً ومن يجمعها؟! أو من يعرف عنها شيئاً؟! فجواب ذلك معلوم ... فالله الذي أحاط بكل شيء علماً يعرف جميع هذه الذرّات ويجمعها متى شاء ، كما أنّ ذرّات الحديد المتناثرة في تلّ من الرمل يمكن جمعها بقطعة من «المغناطيس» فكذلك جمع ذرّات الإنسان أيسر على الله من ذلك.
وإذا كان إشكالهم أنّه من يحفظ أعمال الإنسان ليوم المعاد ، فالجواب على ذلك أنّ جميع أعمال الناس في لوح محفوظ ، ولا يضيع أي شيء في هذا العالم ، وكل شيء ـ حتى أعمالكم ـ سيظلّ باقياً وإن تغيّر شكله.
ثم يردّ القرآن عليهم بجواب آخر ، وفيه منحى نفسي أكثر إذ يقول : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقّ لَمَّا جَاءَهُمْ). أي : إنّهم جحدوا الحق مع علمهم به ، وإلّا فإنّه لا غبار على الحق ، وكما سيتّضح في الآيات المقبلة فإنّهم يرون صورة مصغّرة للمعاد بأعينهم مراراً في هذه الدنيا وليس عندهم مجال للشك والتردد.
لذلك فإنّ القرآن يختتم هذه الآية مضيفاً : (فَهُمْ فِى أَمرٍ مَّرِيجٍ). فلأنّهم كذّبوا الرسالة فهم دائماً في تناقض في القول وحيرة في العمل وإضطراب في السلوك.
فتارةً يتّهمون النبي بأنّه مجنون أو أنّه شاعر أو كاهن.
وتارةً يقولون بأنّه يعلّمه بشر.
وهذه الكلمات المتفرقة والمتناقضة تدلّ على أنّهم فهموا الحق ، إلّاأنّهم يتذرّعون بحجج واهية شتّى ، ولذلك لا يقرّون على كلام واحد أبداً.
«مريج» : مشتقة من مرج ومعناها الأمر المختلط والمشتبه والمشوش ، ولذلك فقد أطلقوا على الأرض التي تكثر فيها النباتات المختلفة والمتعددة بأنّها «مرج» أو «مرتع».