أمّا الآية التالية ففيها إستدلال آخر على هذا الأمر إذ تقول : (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ).
ثم تضيف الآية : (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ).
«باسقات» : جمع «باسقة» بمعنى الشجرة المرتفعة العالية ؛ و «الطلع» : ثمر النخل وما يكون منه الرطب والتمر بعدئذ ؛ «النضيد» : معناها المتراكم بشكل دقيق.
والآية الأخيرة من الآيات محل البحث تقول : (رّزْقًا لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذلِكَ الْخُرُوجُ).
وهكذا فإنّ هذه الآيات ضمن بيان النعم العظمى للعباد وتحريك إحساس الشكر فيهم في مسير المعرفة تذكّرهم بأنّهم يرون مثلاً للمعاد كل سنة في حياتهم في هذه الدنيا ، فالأرض الميتة الخالية واليابسة تهتزّ وتنبت النباتات عليها عند نزول قطرات الغيث وكأنّ أصداء القيامة تترنّم على شفاه النباتات قائلة : «وحده لا شريك له».
فهذه الحركة العظيمة نحو الحياة في عالم النباتات تكشف عن هذه الحقيقة ، وهي أنّ باريء عالم الموجودات قادر على إحياء الموتى مرّةً اخرى ، لأنّ وقوع الشيء أقوى دليل على إمكانه.
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٥)
لست وحدك المبتلى بالعدوّ : تعالج هذه الآيات مسألة المعاد من خلال نوافذ متعددة. ففي البداية ومن أجل تثبيت قلب النبي صلىاللهعليهوآله وتسليته تقول : لست وحدك المرسل الذي كذّبه الكفار وكذّبوا محتوى دعواته ولا سيّما المعاد فإنّه : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسّ وَثَمُودُ).
وجماعة «ثمود» هم قوم صالح النبي العظيم إذ كانوا يقطنون منطقة «الحجر» شمال الحجاز. أمّا «أصحاب الرسّ» فالكثير من المفسرين يعتقدون أنّهم طائفة كانت تقطن اليمامة ، وكان عندهم نبيّ يُدعى حنظلة فكذّبوه. وألقوه في البئر في آخر الأمر.