ثم يضيف القرآن قائلاً : (وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ). والمراد بإخوان لوط هم قومه ، وقد عبّر القرآن عن لوط بأنّه أخوهم ، وهذا التعبير مستعمل في اللغة العربية بشكل عام.
وكذلك من بعدهم : (وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ). و «الأيكة» : معناها الأشجار الكثيرة المتداخلة بعضها ببعض ـ أو الملتفّة أغصانها ـ و «أصحاب الأيكة» هم طائفة من قوم شعيب كانوا يقطنون منطقة غير «مدين» وهي منطقة ذات أشجار كثيرة.
والمراد من «قوم تبّع» طائفة من أهل اليمن ، لأنّ «تبّع» لقب لملوك اليمن ، باعتبار أنّ هؤلاء القوم يتبعون ملوكهم.
ثم إنّ الآية هذه أشارت إلى جميع من ذكرتهم من الأقوام الثمانية فقالت : (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ).
فإنّ هؤلاء الامم كذّبوا أنبياءهم وكذّبوا مسألة المعاد والتوحيد أيضاً ، وكانت عاقبة أمرهم نُكراً ووبالاً عليهم ، فمنهم من ابتلي بالطوفان ، ومنهم من أخذته الصاعقة ، ومنهم من غرق بالنيل ، ومنهم من خُسفت به الأرض أو غير ذلك ، وأخيراً فإنّهم ذاقوا ثمرة تكذيبهم المرّة.
ثم يشير القرآن إلى دليل آخر من دلائل إمكان النشور ويوم القيامة فيقول : (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ).
ثم يضيف القرآن : إنّهم لا يشكّون ولا يتردّدون في الخلق الأوّل لأنّهم يعلمون أنّ خالق الإنسان هو الله ولكنّهم يشكّون في المعاد مع كل تلك الدلائل الواضحة : (بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ).
وفي الحقيقة إنّهم في تناقض بسبب هوى النفس والتعصّب الأعمى ، فمن جهة يعتقدون بأنّ خالق الناس أوّلاً هو الله إذ خلقهم من تراب ، إلّاأنّهم من جهة اخرى حين يقع الكلام على المعاد وخلق الإنسان ثانية من التراب يعدّون ذلك أمراً عجيباً ولا يمكن تصوّره وقبوله.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨)
كتابه جميع الأقوال : يُثار في هذه الآيات قسم آخر من المسائل المتعلّقة بالمعاد ، وهو