ضبط أعمال الإنسان وإحصاؤها لتعرض على صاحبها عند يوم الحساب.
تبدأ الآيات فتتحدث عن علم الله المطلق وإحاطته بكلّ شيء فتقول : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْانسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ).
«توسوس» : مشتقة من الوسوسة وهي ـ كما يراه الراغب في مفرداته ـ الأفكار غير المطلوبة التي تخطر بقلب الإنسان ، وأصل الكلمة «الوسواس» ومعناه الصوت الخفي وكذلك صوت أدوات الزينة وغيرها.
والمراد من الوسوسة في الآية هنا هي أنّ الله لمّا كان يعلم بما يخطر في قلب الإنسان والوساوس السابحة في أفكاره ، فمن البديهي أنّه عالم بجميع عقائده وأعماله وأقواله ، وسوف يحاسبه عليها يوم القيامة.
وجملة (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْانسَانَ) يمكن أن تكون إشارةً إلى أنّ خالق البشر محال أن لا يعلم بجزئيات خلقه.
أجل ، هو الخالق ، وخلقه دائم ومستمر ونحن مرتبطون به في جميع الحالات ، فمع هذه الحال كيف يمكن أن لا يعلم باطننا وظاهرنا.
ويضيف القرآن لمزيد الإيضاح في ذيل الآية قائلاً : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
وهذا ما أشار إليه القرآن في الآية (٢٤) من سورة الأنفال ، إذ قال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
وبالطبع فإنّ هذا كلّه تشبيه تقريبي ، والله سبحانه أقرب من ذلك وأسمى رغم كون المثال المذكور أبلغ تصوير محسوس على شدّة القرب.
إنّ الإلتفات إلى هذه الحقيقة يوقظ الإنسان ، ويكون على بيّنة من أمره وما هو مذخور له في صحيفة أعماله عند محكمة عدل الله ... فيتحوّل من إنسان غافل إلى موجود واعٍ ملتزم ورع تقيّ.
ويضيف القرآن في الآية التالية قائلاً : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ). أي : أنّه بالإضافة إلى إحاطة علم الله «التامة» على ظاهر الإنسان وباطنه ، فهنالك ملكان مأموران بحفظ ما يصدر منه عن يمينه وشماله.
«تلقّى» : معناها الأخذ والتسلّم ؛ و «المتلقّيان» : هما ملكان مأموران بكتابة أعمال الناس ؛