و «قعيد» : مأخوذة من القعود ومعناها «جالس» والمراد بالقعيد هنا الرقيب والملازم للإنسان. وبتعبير آخر : أنّ الآية هذه لا تعني أنّ الملكين جالسين عن يمين الإنسان وعن شماله ، لأنّ الإنسان يكون في حال السير تارةً ، واخرى في حال الجلوس ، بل التعبير هنا هو كناية عن وجودهما مع الإنسان وهما يترصدّان أعماله.
وورد في الروايات الإسلامية أنّ ملك اليمين كاتب الحسنات ، وملك الشمال كاتب السيّئات ، وصاحب اليمين أميرٌ على صاحب الشمال ، فإذا عمل الإنسان حسنةً كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها ، وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين أمسك فيمسك عنه سبع ساعات ، فإذا إستغفر الله منها لم يكتب عليه شيء ، وإن لم يستغفر الله كتب له سيّئة واحدة.
أمّا آخر آية من الآيات محل البحث فتتحدث عن الملكين أيضاً فتقول : (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
وكان الكلام في الآية الآنفة عن كتابة جميع أعمال الإنسان ، وفي هذه الآية إهتمام بخصوص ألفاظه ، وهذا الأمر هو للأهمية القصوى للقول وأثره في حياة الناس ، حتى أنّ جملة واحدة أو عبارة قصيرة قد تؤدي إلى تغيير مسير المجتمع نحو الخير أو الشرّ.
«الرقيب» : معناها المراقب ؛ و «العتيد» : معناها المتهيء للعمل.
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢٢)
القيامة ، والبصر الحديد : تعكس الآيات أعلاه مسائل اخرى تتعلق بيوم المعاد : «مشهد الموت» و «النفخ في الصور» و «مشهد الحضور في المحشر». فتقول أوّلاً : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ).
سكرة الموت : هي حال تشبه حالة الثمل السكران إذ تظهر على الإنسان بصورة الاضطراب والإنقلاب والتبدّل ، وربّما إستولت هذه الحالة على عقل الإنسان وسلبت شعوره وإختياره.