(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١))
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، قال كعب الأحبار : هذه الآية أول آية في التوراة ، وآخر آية في التوراة ، قوله : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) [الإسراء : ١١١] الآية. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : افتتح الله الخلق بالحمد ، فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، وختمه بالحمد فقال : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) ، أي : بين الخلائق ، (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الزمر : ٧٥] ، قوله : الحمد لله ، حمد الله نفسه تعليما لعباده ، أي : احمدوا الله الذي خلق السموات والأرض ، خصّهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد وفيهما العبر والمنافع للعباد ، (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ، والجعل بمعنى الخلق ، وقال الواقدي : كل ما في القرآن من الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان ، إلا في هذه الآية فإنه يريد بهما اللّيل والنهار ، وقال الحسن : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ، يعني : [الكفر والإيمان ، وقيل : أراد بالظلمات الجهل والنور العلم ، وقال قتادة : يعني الجنّة والنار ، وقيل : معناه خلق الله السموات والأرض ، وقد جعل الظلمات والنور ، لأنه خلق السموات والنور قبل السموات والأرض ، قال قتادة](١) : خلق الله السموات قبل الأرض ، وخلق الظلمة قبل النور ، والجنة قبل النار.
[٨٥٨] وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله تعالى خلق الخلق (٢) في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضلّ». (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ، أي : ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون ، أي : يشركون ، وأصله من (٣) مساواة الشيء بالشيء ، ومنه العدل ، أي : يعدلون بالله غير الله تعالى ، يقال : عدلت هذا بهذا إذا ساويته به ، [و](٤) قال النضر بن شميل : الباء بمعنى عن ، أي : عن ربهم يعدلون ، أي يميلون وينحرفون من العدول (٥) ، قال الله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦] ، أي : منها ، وقيل تحت قوله : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) : معنى لطيف : وهو مثل قول القائل : أنعمت عليكم بكذا وتفضّلت عليكم بكذا ، ثم تكفرون بنعمتي.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣))
__________________
[٨٥٨] ـ حسن. أخرجه الترمذي ٢٦٤٢ وأحمد (٢ / ١٧٦ و ١٩٧) وابن أبي عاصم في «السنة» ٢٤٣ و ٢٤٤ وابن حبان ٦١٦٩ و ٦١٧٠ والحاكم (١ / ٣٠) واللالكائي ١٠٧٧ و ١٠٧٩ والآجري في «الشريعة» ص ١٧٥ من طرق عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو به.
وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن ا ه.
وله شواهد كثيرة تعضده.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين سقط من ب.
(٢) في ب ، «خلقه».
(٣) في المطبوع «خلق».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «العدل».