الإبسال التحريم ، والبسل الحرام ، ثم جعل نعتا لكل شدّة تتّقى وتترك ، (لَيْسَ لَها) ، لتلك النفس ، (مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌ) ، قريب ، (وَلا شَفِيعٌ) ، يشفع [لها](١) في الآخرة ، (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ) ، أي : تفد كل فداء ، (لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا) ، أسلموا للهلاك ، (بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ).
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا) ، إن عبدناه ، (وَلا يَضُرُّنا) ، إن تركناه ، يعني : الأصنام ليس إليها نفع ولا ضرّ ، (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) ، إلى الشرك مرتدّين ، (بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ) ، أي : يكون مثلنا كمثل الذين استهوته الشياطين ، أي : أضلّته ، (فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ) ، قال ابن عباس : كالذي استغوته الغيلان في المهامة فأضلّوه فهو حائر بائر ، والحيران : المتردّد في الأمر لا يهتدي إلى مخرج منه ، (لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) ، هذا مثل ضربه الله تعالى لمن يدعو إلى الآلهة ولمن يدعو إلى الله تعالى كمثل رجل في رفقة ضلّ به الغول عن الطريق [ويدعوه](٢) أصحابه من أهل الرفقة هلمّ إلى الطريق ، ويدعوه الغول فيبقى حيران لا يدري أين يذهب ، فإن أجاب الغول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة ، وإن أجاب من يدعوه إلى الطريق اهتدى ، (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) ، يزجر عن عبادة الأصنام ، كأنه يقول : لا تفعل ذلك فإن الهدى هدى الله لا هدى (٣) غيره ، (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ) ، أي : أن نسلم ، (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، والعرب تقول : أمرتك لتفعل وأن تفعل وبأن تفعل.
(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣))
(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) ، أي : وأمرنا بإقامة الصلاة والتقوى ، (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ، أي : تجمعون في الموقف للحساب.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ، قيل : الباء بمعنى اللام ، أي : إظهارا للحق لأنه جعل صنعه دليلا على وحدانيته ، (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ) ، قيل : هو راجع إلى خلق السموات والأرض والخلق ، بمعنى : القضاء والتقدير ، أي : كل شيء قضاه وقدّره قال له : كن ، فيكون ، وقيل : يرجع إلى القيامة يدلّ على سرعة أمر البعث والساعة ، كأنه قال : ويوم يقول للخلق موتوا [فيموتون وقوموا فيقومون](٤) ، (قَوْلُهُ الْحَقُ) ، أي : الصدق الواقع لا محالة ، يريد أن ما وعده حق كائن ، (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) ، يعني : ملك الملوك يومئذ زائل ؛ كقوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)) [الفاتحة : ٤] ، وكما قال : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار : ١٩] ، والأمر لله في كل وقت ، ولكن لا أمر في ذلك اليوم لأحد مع أمر الله ، والصّور : قرن ينفخ فيه ، قال مجاهد : كهيئة البوق ، وقيل : هو بلغة أهل اليمن ، وقال أبو عبيدة : الصور هو الصّور وهو جمع الصّورة ، وهو قول الحسن ، والأول أصح ، والدليل عليه ما :
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «يهدي».
(٤) العبارة في المطبوع «فيموتوا فيقومون».