عباس : معناه لا يسعد من كفر بي وأشرك. قال الضحاك : لا يفوز.
قوله عزوجل : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) الآية ، كان المشركون يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم وثمارهم وسائر أموالهم نصيبا ، وللأوثان نصيبا فما جعلوه لله صرفوه إلى الضيفان والمساكين ، وما جعلوه للأصنام [أنفقوا على الأصنام](١) وخدمها ، فإن سقط شيء مما جعلوه لله تعالى في نصيب الأوثان تركوه وقالوا : إنّ الله غني عن هذا ، وإن سقط شيء من نصيب الأصنام فيما جعلوه لله ردّوه إلى الأوثان ، وقالوا : إنها محتاجة ، وكان إذا هلك أو انتقص شيء مما جعلوه لله لم يبالوا به ، وإذا هلك أو انتقص شيء مما جعلوا للأصنام جبروه بما جعلوه لله ، فذلك قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) خلق (مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) ، وفيه اختصار مجازه : وجعلوا لله نصيبا ولشركائهم نصيبا ، (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) ، قرأ الكسائي (بِزَعْمِهِمْ) بضم الزاي ، والباقون بفتحها ، وهما لغتان ، وهو القول من غير حقيقة ، (وَهذا لِشُرَكائِنا) ، يعني : الأوثان ، (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) ، ومعناه : ما قلنا أنهم كانوا يتمون ما جعلوا للأوثان ممّا جعلوه لله ، ولا يتمّون ما جعلوه لله مما جعلوه للأوثان. وقال قتادة : كانوا إذا أصابتهم سنة استعانوا بما جزّءوا لله وأكلوا منه فوفّروا ما جزّءوا لشركائهم ولم يأكلوا منه ، (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ، أي : بئس ما يقضون (٢).
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، أي : وكما زيّن لهم تحريم الحرث والأنعام كذلك زيّن لكثير من المشركين ، (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) ، قال مجاهد : شركاؤهم ، أي : شياطينهم زيّنوا وحسّنوا لهم وأد البنات خيفة العيلة ، سمّيت الشياطين شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله وأضيف الشركاء إليهم لأنهم اتخذوها.
وقال الكلبي : شركاؤهم سدنة آلهتهم [هم](٣) الذين كانوا يزيّنون للكفار قتل الأولاد ، وكان الرجل منهم يحلف لئن ولد له كذا غلاما لينحرنّ أحدهم كما حلف عبد المطلب على ابنه عبد الله ، وقرأ ابن عامر : زين بضم الزاي وكسر الياء ، قتل رفع أولادهم نصب ، شركائهم بالخفض على التقديم ، كأنه قال : زيّن لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم ، فصل بين الفعل وفاعله بالمفعول به وهو الأولاد ، كما قال الشاعر :
فزججته متمكّنا [بمزجة](١) |
|
زجّ القلوص أبي مزاده (٢) |
أي : زجّ أبي مزاده القلوص ، فأضيف الفعل وهو القتل إلى الشركاء ، وإن لم يتولوا ذلك لأنهم هم الذين زيّنوا ذلك ودعوا إليه ، فكأنّهم فعلوه. قوله عزوجل : (لِيُرْدُوهُمْ) ، ليهلكوهم ، (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ) ، ليخلطوا عليهم ، (دِينَهُمْ) ، قال ابن عباس : ليدخلوا عليهم الشكّ في دينهم ، وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه بلبس الشياطين. (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) ، أي : لو شاء الله لعصمهم حتى
__________________
(١) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح شواهد الكشاف» (٢ / ٧٠)
(٢) الزج : الطعن ، المزجة : الرمح القصير لأنه آلة للمزج ، القلوص : الناقة الشابة.
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المخطوط «يقسمون».
(٣) زيادة عن المخطوطتين.