(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) ، قرأ ابن عامر وابن كثير قتلوا بتشديد التاء على التكثير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، (سَفَهاً) ، جهلا ، (بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، نزلت في ربيعة ومضر وبعض من العرب من غيرهم ، كانوا يدفنون البنات أحياء مخافة السبي والفقر ، وكان بنو كنانة لا يفعلون ذلك. (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) ، يعني : البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، (افْتِراءً عَلَى اللهِ) ، حيث قالوا : إن الله أمرهم بها ، (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ).
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) ، بساتين ، (مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) ، أي : مسموكات مرفوعات وغير مرفوعات. وقال ابن عباس : معروشات ما انبسط على وجه الأرض ، فانتشر مما يعرش مثل الكرم والقرع والبطيخ وغيرها ، وغير معروشات ما قام على ساق ونسق ، مثل النخل والزرع وسائر الأشجار. وقال الضحاك : كلاهما من الكرم خاصة ، منها ما عرش ، ومنها ما لم يعرش. (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) ، أي : وأنشأ النخل والزرع ، (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ، ثمره وطعمه منها الحلو والحامض والجيد والرديء ، (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً) ، في المنظر (١) ، (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) ، في المطعم مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف ، (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ ، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) ، قرأ أهل البصرة وابن عامر وعاصم (حَصادِهِ) بفتح الحاء ، وقرأ الآخرون بكسرها معناهما واحد ، كالصّرام والصّرام والجذاذ والجذاذ ، واختلفوا في هذا الحق فقال ابن عباس وطاوس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب : إنها الزكاة المفروضة من العشر ونصف العشر ، وقال عليّ بن الحسين وعطاء ومجاهد وحماد والحكم : [هو](٢) حق في المال سوى الزكاة ، أمر بإتيانه لأن الآية مكية وفرضت الزكاة بالمدينة. قال إبراهيم : هو الضغث. وقال الربيع : لقاط السنبل. وقال مجاهد : كانوا يعلقون العذق عند الصرام فيأكل منه من مرّ. وقال يزيد بن الأصم : كان أهل المدينة إذا أصرموا يجيئون بالعذق فيعلّقونه في جانب المسجد ، فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه فيأخذه. وقال سعيد بن جبير : كان هذا حقا [يؤمر](٣) بإتيانه في ابتداء الإسلام منسوخا بإيجاب العشر. قال مقسم عن ابن عباس : نسخت الزكاة كلّ نفقة في القرآن. (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ، وقيل : أراد بالإسراف إعطاء الكل. قال ابن عباس في رواية الكلبي : عمد ثابت بن قيس بن شماس فصرم خمسمائة نخلة فقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، قال السدي : (وَلا تُسْرِفُوا) ، أي : لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. قال الزجاج : على هذا إذا أعطى الإنسان كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف.
[٨٩٤] لأنه جاء في الخبر : «ابدأ بمن تعول». وقال سعيد بن المسيب : معناه لا تمنعوا الصدقة. فتأويل الآية على هذا : لا تجاوزوا (٤) الحدّ في البخل والإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة. وقال مقاتل : لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام. وقال الزهري : لا تنفقوا في المعصية. وقال مجاهد : الإسراف ما قصّرت به عن حق الله عزوجل ، وقال : لو كان أبو قبيس ذهبا لرجل فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما أو مدا في معصية الله كان مسرفا. وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف وإسراف.
وروى ابن وهب عن ابن زيد ، قال : الخطاب للسلاطين : يقول لا تأخذوا فوق حقكم.
__________________
[٨٩٤] ـ صحيح ، تقدم برقم ٢٣٠ بأتم منه.
__________________
(١) في المطبوع «النظر».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «تتجاوز».