ومن كل خير. (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) ، من بني آدم ، (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) ، اللام لام القسم ، (مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) ، أي : منك ومن ذريّتك ومن كفار ذرية آدم أجمعين.
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ).
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) ، أي : إليهما ، والوسوسة : حديث يلقيه الشيطان في قلب الإنسان ، (لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) ، أي : ليظهر لهما ما غطي وستر عنهما من عوراتهما ، قيل : اللام فيه لام العاقبة [وذلك](١) أن إبليس لم يوسوس لهذا (٢) ، ولكن كان عاقبة أمرهم ذلك ، وهو ظهور عورتهما ؛ كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، ثم بين الوسوسة فقال : (وَقالَ) [يعني](٣) إبليس لآدم وحواء ، (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) ، يعني : إلا كراهية أن تكونا من الملائكة يعلمان الخير والشر ، (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) ، من الباقين الذين لا يموتون ؛ كما قال في موضع آخر : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) [طه : ١٢٠].
(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢))
(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١)) ، أي : وأقسم وحلف لهما وهذا من المفاعلة التي تختصّ بالواحد ، وقال قتادة : حلف لهما بالله حتى خدعهما ، وقد يخدع المؤمن بالله ، فقال : إني خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتّبعاني أرشدكما ، وإبليس أوّل من حلف بالله كاذبا فلما حلف ظنّ آدم أن أحدا لا يحلف بالله إلّا صادقا فاغترّ به.
(فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) ، أي : خدعهما ، يقال : ما زال إبليس [يدلي لفلان](٤) بالغرور ، يعني : ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف من القول باطل ، وقيل : حطّهما من منزلة الطاعة إلى حالة المعصية ، ولا يكون التدلّي إلّا من علوّ إلى أسفل والتدلية إرسال الدلو في البئر ، يقال : تدلّى بنفسه ودلّى غيره ، وقال الأزهري : أصله تدلية العطشان [في](٥) البئر ليروى من الماء ولا يجد الماء ، فيكون تدلّى بالغرور [والغرور] إظهار النصح مع إبطان الغش. (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ، قال الكلبي : فلما أكلا منها. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قبل أن ازدردا أخذتهما العقوبة ، والعقوبة أن (٦) «بدت» ظهرت لهما «سوآتهما» عوراتهما ، وتهافت [عنهما](٧) لباسهما حتى أبصر كل واحد منهما ما ووري عنه من عورة صاحبه ، وكانا لا يريان ذلك. قال وهب : كان لباسهما من النور. وقال قتادة : كان ظفرا ألبسهما الله من الظفر لباسا فلمّا وقعا في الذنب بدت لهما سوءاتهما فاستحييا ، (وَطَفِقا) ، أقبلا وجعلا (يَخْصِفانِ) ، يرقعان ويلزقان ويصلان ، (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) ، وهو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب. قال الزجاج : يجعلان ورقة على ورقة ليسترا سوآتهما.
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في ط «بهذا».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) كذا في المخطوط ، وفي المطبوع «يدل فلانا».
(٥) زيادة من المخطوطتين.
(٦) في المخطوطتين «إذ» بدل «أن».
(٧) زيادة عن المخطوط.