قال الله تعالى : (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) ، المؤخّرين ، وبيّن مدة النظرة (١) والمهلة في موضع آخر ، فقال : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)) [الحجر : ٣٨] ، وهي (٢) النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم.
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) ، اختلفوا في «ما» ، قيل : هو استفهام يعني فبأيّ شيء أغويتني؟ ثم ابتدأ فقال : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) ، وقيل : هو ما الجزاء ، أي : لأجل أنك أغويتني لأقعدنّ لهم ، وقيل : هو ما المصدر موضع القسم تقديره : فبإغوائك إيّاي لأقعدنّ لهم ؛ كقوله : (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) [يس : ٢٧] ، يعني : بغفران ربّي ، والمعنى بقدرتك عليّ ونفاذ سلطانك فيّ. وقال ابن الأنباري : أي فيما أوقعت في قلبي من الغي الذي كان سبب هبوطي من السماء أغويتني ، أي : أضللتني عن الهدى. وقيل : أهلكتني. وقيل : خيّبتني ، (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ، أي : لأجلسنّ لبني آدم على طريقك القويم وهو الإسلام.
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) ، قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : من بين أيديهم أي من قبل الآخرة فأشكّكهم فيها ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ، أرغبهم في دنياهم ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) ، أشبّه عليهم أمر دينهم. (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) ، أشهى لهم المعاصي. وروى عطية عن ابن عباس : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من قبل دنياهم ، يعني أزيّنها في قلوبهم ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ، من قبل الآخرة فأقول : لا بعث ولا جنّة ولا نار ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) من قبل حسناتهم ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) من قبل سيئاتهم. وقال الحكم : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) : من قبل الدنيا يزيّنها لهم ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) : من قبل الآخرة يثبطهم عنها ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) : من قبل الحقّ يصدّهم عنه ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) : من قبل الباطل يزيّنه لهم. وقال قتادة : أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنّة ولا نار ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) : من أمور الدنيا زيّنها لهم ودعاهم إليها ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) : من قبل حسناتهم بطّأهم عنها ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) : زيّن لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله. وقال مجاهد : من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ، ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون. وقال ابن جريج : معنى قوله حيث لا يبصرون ، [أي : لا يخطئون ، وحيث لا يبصرون ، أي :](٣) لا يعلمون أنهم يخطئون. (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) ، مؤمنين ، فإن قيل : كيف علم الخبيث ذلك؟ قيل : قاله ظنا فأصاب. قال الله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) [سبأ : ٢٠].
(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠))
(قالَ) الله تعالى لإبليس : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) ، أي : معيبا ، و [الذيم و](٤) الذأم أشد العيب ، يقال : ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم وذامه يذيمه ذاما فهو مذيم ، مثل سار يسير سيرا. والمدحور : المبعد المطرود ، يقال : دحره يدحره دحرا إذا أبعده وطرده. قال ابن عباس : مذءوما أي ممقوتا ، [و](٥) قال قتادة : مذءوما مدحورا ، أي : لعينا شقيا. وقال الكلبي : مذءوما [ملوما](٦) مدحورا مقصيا من الجنّة
__________________
(١) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع وط «النظر».
(٢) في المطبوع وط «وهو».
(٣) ما بين المعقوفتين في المخطوطتين «وحيث لا يبصرون».
(٤) زيادة من المخطوطتين.
(٥) زيادة من أ ، وط.
(٦) زيادة من المخطوطتين وط.