اليوم يبدو بعضه أو كلّه |
|
وما بدا منه فلا أحلّه |
فأمر الله سبحانه بالستر ، فقال : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) ، يستر عوراتكم ، واحدتها سوأة سمّيت بها لأنه يسوء صاحبها انكشافها فلا تطوفوا عراة ، (وَرِيشاً) ، يعني : مالا في قول ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي ، يقال : تريش الرجل إذا تموّل ، وقيل : الريش الجمال ، أي : ما تتجمّلون به من الثياب ، وقيل : هو اللباس (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) ، قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي : (وَلِباسُ) بنصب السين عطفا على قوله : (لِباساً) ، وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وخبره (خَيْرٌ) ، وجعلوا (ذلِكَ) صلة في الكلام ، وكذلك (١) قرأ ابن مسعود وأبيّ بن كعب : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) ، واختلفوا في (وَلِباسُ التَّقْوى) ، قال قتادة والسدي : [لباس](٢) التقوى هو الإيمان. وقال الحسن : هو الحياء لأنه يبعث على التقوى. وقال عطاء عن ابن عباس : هو العمل الصالح. وعن عثمان بن عفان أنه قال : السمت الحسن. وقال عروة بن الزبير : لباس التقوى خشية الله. وقال الكلبي : هو العفاف (١). والمعنى : لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به مما خلق له من اللباس للتجمّل. وقال ابن الأنباري : لباس التقوى هو اللباس الأول وإنما أعاده إخبارا أن ستر العورة خير من التعري في الطواف [الذي كانت تفعله الجاهلية](٣). وقال زيد بن علي : لباس التقوى الآلات التي يتقى بها في الحرب كالدرع والمغفر والساعد والساقين. وقيل : لباس التقوى هو الصوف والثياب الخشنة التي يلبسها أهل الورع. (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).
(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨))
(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) ، [أي :](٤) لا يضلنّكم الشيطان ، (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ) ، أي : [كما](٤) فتن أبويكم آدم وحواء فأخرجهما ، (مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) ، أي : ليرى كل واحد [منهما](٤) سوأة الآخر. (إِنَّهُ يَراكُمْ) ، يعني الشيطان يراكم يا بني آدم ، (هُوَ وَقَبِيلُهُ) جنوده ، قال ابن عباس : هو وولده. وقال قتادة : قبيله الجنّ والشياطين ، (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) ، قال مالك بن دينار : إنّ عدوا يراك ولا تراه لشديد المئونة إلّا من عصم الله ، (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ) قرناء وأعوانا ، (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ، قال الزجاج : سلطانهم عليهم يزيدون في غيّهم كما قال : (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) [مريم : ٨٣].
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) ، قال ابن عباس ومجاهد : هي طوافهم بالبيت عراة ، وقال عطاء : الشرك. والفاحشة : اسم لكل فعل قبيح بلغ النهاية في القبح. (قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا) ، وفيه إضمار معناه :
__________________
(١) وقع في الأصل «الغطاف» والتصويب من ط.
__________________
(١) في المطبوع وط «ولذلك».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) زيادة عن المخطوط.