مات صالح فسمّي حضرموت ثم بنى الأربعة آلاف مدينة ، يقال لها حاضوراء ، قال قوم من أهل العلم : توفي صالح وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، [وأقام في قومه عشرين سنة](١).
(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١))
قوله تعالى : (وَلُوطاً) ، أي : وأرسلنا لوطا ، وقيل : معناه واذكر لوطا. وهو لوط بن هاران بن تارخ بن أخي إبراهيم ، (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) ، وهم أهل سدوم وذلك أن لوطا شخص من أرض بابل سافر مع عمّه إبراهيم عليهالسلام مؤمنا به مهاجرا معه إلى الشام ، فنزل إبراهيم فلسطين وأنزل لوطا الأردن ، فأرسله الله عزوجل إلى أهل سدوم فقال لهم ، (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) ، يعني : إتيان الذكران ، (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) ، قال عمرو بن دينار : ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا حتى كان من قوم لوط.
(إِنَّكُمْ) ، قرأ أهل المدينة وحفص (إنكم) بكسر الألف على الخبر ، وقرأ الآخرون على الاستئناف (٢) ، (لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) ، في أدبارهم ، (شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) ، فسرّ تلك الفاحشة : يعني أدبار الرجال أشهى إليكم من فروج النساء ، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ، مجاوزون الحلال إلى الحرام. قال محمد بن إسحاق : كانت لهم ثمار وقرى لم يكن في الأرض مثلها فقصدهم الناس لينالوا من ثمارهم فآذوهم ، فعرض لهم إبليس في صورة شيخ ، فقال : إن فعلتم بهم كذا وكذا نجوتم ، فأبوا فلما ألحوا (٣) عليهم قصدوهم فأصابوا غلمانا صباحا فأخذوهم وقهروهم على أنفسهم وأخبثوا بهم ، فاستحكم ذلك فيهم. قال الحسن : كانوا لا ينكحون إلا الغرباء.
وقال الكلبي : إن أول من عمل عمل قوم لوط إبليس ، لأن بلادهم أخصبت فانتجعها أهل البلدان فتمثّل لهم إبليس في صورة شاب ثم دعا إلى دبره فنكح في دبره [ثم نشأ فيهم](٤) ، فأمر الله تعالى السماء أن تحصبهم والأرض أن تخسف بهم.
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥))
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا) ، قال بعضهم لبعض ، (أَخْرِجُوهُمْ) ، يعني : لوطا وأهل دينه ، (مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) ، يتنزّهون عن أدبار الرجال.
(فَأَنْجَيْناهُ) ، يعني : لوطا ، (وَأَهْلَهُ) المؤمنين ، وقيل : أهله ابنتاه ، (إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) ، يعني : الباقين في العذاب. وقيل : معناه كانت من الباقين المعمّرين قد أتى عليها دهر طويل
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) أي «أنكم».
(٣) في المطبوع «ألحّ».
(٤) زيادة عن المخطوط.