[واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا](١) وإذ قالوا اللهمّ ، لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكّة ، ولكن الله ذكرهم بالمدينة ؛ كقوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) [التوبة : ٤٠].
[٩٩٥] وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير : أنّ قريشا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ، ليتشاوروا في أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكانت رءوسهم عتبة (١) وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو سفيان وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأميّة بن خلف ، فاعترضهم إبليس لعنه الله في صورة شيخ ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من نجد سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا ، قالوا : ادخل فدخل ، فقال أبو البختري : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت وتشدوا وثاقه وتسدّوا باب البيت غير كوّة ، تلقون إليه طعامه وشرابه وتتربّصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه ، كما هلك من قبله من الشعراء ، قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي رأيتم والله لئن حبستموه في بيت فخرج (٢) أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فيوشك أن يثبوا عليكم ويقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم ، قالوا : صدق الشيخ النجدي.
فقال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي : أمّا أنا فأرى أن تحملوه على بعير فتخرجوه من [بين](٣) أظهركم فلا يضرّكم ما صنع ولا أين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه ، فقال إبليس لعنه الله : ما هذا لكم برأي ، تعمدون إلى رجل قد أفسد سفهاءكم (٤) فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ، ألم تروا إلى حلاوة منطقه وطلاوة لسانه وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم ذلك ليذهبن وليستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم ، قالوا : صدق الشيخ النجدي.
فقال أبو جهل : والله لأشيرنّ عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسيطا فتيا ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يضربوه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرّق دمه في القبائل كلّها ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها ، وبأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته ، فقال إبليس : صدق هذا الفتى ، وهو أجودكم رأيا ، القول ما قال لا أرى رأيا غيره فتفرّقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له.
فأتى جبريل النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، فأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليّ بن أبي طالب أن ينام في مضجعه وقال له :
__________________
(١) وقع في الأصل «عيبة» وهو تصحيف.
[٩٩٥] ـ أخرجه الطبري ١٥٩٧٩ دون عجزه عن ابن عباس بسند ضعيف لانقطاعه بين ابن إسحاق وعبد الله بن أبي نجيح.
وعجزه أخرجه الطبري ١٥٩٨٢ وإسناده ضعيف.
وورد هذا الخبر من مرسل السدي أخرجه الطبري ١٥٩٨٣ ، ولبعضه شواهد ، وبعضه الآخر منكر.
وانظر «السيرة» لابن هشام (٢ / ٩٥ ، ٩٦) و «مجمع الزوائد» (٧ / ٢٧) و «دلائل النبوة» (٢ / ٤٦٦ ، ٤٧٠) للبيهقي.
__________________
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) في المخطوط «لخرج».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع وط «أحلامكم».