«اتشح ببردتي هذه ، فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه».
ثم خرج النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخذ قبضة من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه فجعل ينثر التراب على رءوسهم وهو يقرأ : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) إلى قوله : (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [يس : ٩] ، ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر ، وخلف عليا بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده ، وكانت الودائع توضع عنده صلىاللهعليهوسلم لصدقه وأمانته ، وبات المشركون يحرسون عليا [وهو] على فراش رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحسبون (١) أنه النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
فلما أصبحوا ثاروا إليه فرأوا عليا رضي الله عنه ، فقالوا : أين صاحبك؟ قال : لا أدري ، فاقتصّوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثا [ثم](١) قدم المدينة ، فذلك قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، (لِيُثْبِتُوكَ) ، ليحبسوك (٢) ويسجنوك ويوثقوك ، (أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ).
قال الضحاك : يصنعون ويصنع الله ، والمكر التدبير وهو من الله التدبير بالحق ، وقيل : يجازيهم جزاء المكر ، (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣))
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا) ، يعني : النضر بن الحارث ، (قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) ، وذلك أنه كان يختلف تاجرا إلى فارس والحيرة فيسمع أخبار رستم وإسفنديار ، وأحاديث العجم ويمرّ باليهود والنصارى ، فيراهم يركعون ويسجدون ويقرءون التوراة والإنجيل ، فجاء مكة فوجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلّي ويقرأ القرآن ، فقال النضر : قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، أخبار الأمم الماضية وأسماؤهم وما سطر الأولون في كتبهم. والأساطير : جمع أسطورة ، وهي المكتوبة ، من قولهم : سطرت أي كتبت.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) ، الآية نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدار ، قال ابن عباس : لما قصّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم شأن القرون الماضية ، قال النضر : لو شئت لقلت مثل هذا (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ أي : ما هذا الا ما سطّره الأولون في كتبهم ، فقال له عثمان بن مظعون رضي الله عنه : اتّق الله فإن محمدا يقول الحق ، قال : فأنا أقول الحق ، قال عثمان : فإن محمدا يقول لا إله إلّا الله ، قال : وأنا أقول لا إله إلّا الله ، ولكن هذه بنات الله ، يعني الأصنام ، ثم قال :
__________________
(١) في الأصل «يحبسون» وهو خطأ.
(٢) في الأصل «ليحسبوك» وهو خطأ.
__________________
(١) سقط من المطبوع.