يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠))
(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ) ، [في سبيل الشيطان](١) ، (مِنَ الطَّيِّبِ) ، يعني : الكافر من المؤمن فينزل المؤمن الجنان والكافر النيران. وقال الكلبي : العمل الخبيث ، من العمل الصالح الطيب ، فيثبت على الأعمال الصالحة الجنّة ، وعلى الأعمال الخبيثة النار. وقيل : يعني الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان من الإنفاق الطيّب في سبيل الله. (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) ، أي : فوق بعض ، (فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) ، أي : يجمعه. ومنه السحاب المركوم ، وهو المجتمع الكثيف ، فيجعله في جهنم (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ، ردّه إلى قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) ... (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الذين خسرت تجارتهم ، لأنهم اشتروا بأموالهم عذاب الآخرة.
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) ، عن الشرك (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) ، أي : ما مضى من ذنوبهم قبل الإسلام ، (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) ، في نصر الله أنبيائه وأوليائه وإهلاك أعدائه. قال يحيى بن معاذ الرازي : توحيدكم (٢) يعجز عن هدم ما قبله من كفر أرجو أن لا يعجز عن هدم ما بعده من الذنوب.
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، أي : شرك ، [و](٣) قال الربيع : حتى لا يفتن مؤمن عن دينه ، (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) ، أي : ويكون الدين خالصا لله لا شرك فيه ، (فَإِنِ انْتَهَوْا) ، عن الكفر ، (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، قرأ يعقوب «تعملون» بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا) ، عن الإيمان وعادوا إلى قتال أهله ، (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) ، ناصركم ومعينكم ، (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ، أي : الناصر.
(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١))
قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية ، الغنيمة والفيء اسمان لما يصيبه المسلمون من أموال الكفار ، فذهب جماعة إلى أنهما واحد. وذهب قوم أنهما يختلفان ، فالغنيمة ما أصابه المسلمون منهم عنوة بقتال ، والفيء ما كان عن صلح بغير قتال ، فذكر الله عزوجل في هذه الآية حكم الغنيمة ، فقال : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) ، فذهب أكثر المفسّرين والفقهاء إلى أن قوله : (اللهُ) افتتاح كلام على سبيل التبرّك وإضافة هذا المال إلى نفسه لشرفه ، وليس المراد منه أنّ سهما من الغنيمة لله منفردا ، فإن الدنيا والآخرة كلها لله عزوجل ، وهو قول الحسن وقتادة وعطاء وإبراهيم والشعبي ، قالوا : سهم لله وسهم الرسول واحد. والغنيمة تقسم خمسة أخماس ، أربعة أخماس لمن قاتل عليها ، وخمس لخمسة أصناف ؛ كما ذكر الله عزوجل : (وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، وقال بعضهم : يقسم الخمس على ستة أسهم ، وهو قول أبي العالية ، سهم الله فيصرف إلى الكعبة. والأول أصح أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم سهم كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في حياته واليوم هو لمصالح المسلمين وما فيه قوّة الإسلام ، وهو قول الشافعي رحمهالله ، وروى الأعمش عن إبراهيم قال : كان أبو بكر وعمر
__________________
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) في المخطوطتين «توحيدكم» والمثبت عن المطبوع وط ، وهو الصواب.
(٣) زيادة عن المخطوط.