إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦))
قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) ، قال ابن عباس والحسن : المكاء : الصفير ، [وهي في اللغة اسم طائر أبيض يكون بالحجاز له صفير ، كأنه قال : الأصوات مكاء](١) ، والتصدية : التصفيق. قال ابن عباس : كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفّرون ويصفقون. وقال مجاهد : كان (١) نفر من بني عبد الدار يعارضون النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الطواف ويستهزءون به ، ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون. فالمكاء : جعل الأصابع في الشدق. والتصدية : الصفر (٢) ، ومنه الصدى الذي يسمعه المصوت في الجبل. قال جعفر بن ربيعة : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله عزوجل : (إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) ، فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرا.
وقال مقاتل : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا صلّى في المسجد قام رجلان عن يمينه فيصفّران ، ورجلان عن يساره فيصفقان ليخلطوا على النبيّ صلىاللهعليهوسلم صلاته ، وهم من بني عبد الدار.
قال سعيد بن جبير : التصدية صدّهم المؤمنين عن المسجد [الحرام](٣) وعن الدين والصلاة ، وهي على هذا التأويل التصددة بدالين ، فقلبت إحدى الدالين ياء كما يقال : تظنيت من الظن ، وتقضى البازي إذا البازي كسر ، أي تقضض البازي. قال ابن الأنباري : إنما سمّاه صلاة لأنهم أمروا بالصلاة في المسجد الحرام ، فجعلوا ذلك صلاتهم ، (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، أي : ليصرفوا عن دين الله.
قال الكلبي ومقاتل : نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام ، والنضر بن الحارث ، وحكيم بن حزام ، وأبيّ بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، والحارث بن عامر بن نوفل ، والعباس بن عبد المطلب ، وكلهم من قريش وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر.
وقال الحكم بن عتيبة (٤) : نزلت في أبي سفيان أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية. قال الله تعالى : (فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) ، يريد ما أنفقوا في الدنيا يصير حسرة عليهم في الآخرة ، (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) ، ولا يظفرون ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) ، منهم ، (إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) ، خصّ الكفار لأن منهم من أسلم.
(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما
__________________
(١) وقع في الأصل «كل» وهو خطأ.
__________________
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) في المطبوع «الصفر» وفي المخطوط «التصفير» والمثبت عن ط.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) تصحف في المطبوع «عيينة» وفي المخطوط «عتبة».