(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠))
قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، شكّ ونفاق ، (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) ، يعني : غرّ المؤمنين دينهم ، هؤلاء قوم كانوا مستضعفين بمكة قد أسلموا وحبسهم أقرباؤهم من الهجرة ، فلما خرجت قريش إلى بدر أخرجوهم كرها ، فلما نظروا إلى قلّة المسلمين ارتابوا وارتدّوا ، وقالوا : غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا جميعا منهم قيس بن [الوليد بن](١) المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان ، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب ، وعلي بن أمية بن خلف الجمحي ، والعاص بن منبه بن الحجاج. قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ، أي : ومن يسلم أمره إلى الله ويثق به ، (فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) ، قوي يفعل بأعدائه ما يشاء ، (حَكِيمٌ) [لا يسوّي بين وليّه وعدوّه](٢).
(وَلَوْ تَرى) يا محمد ، (إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ) ، أي : يقبضون (٣) أرواحهم. اختلفوا فيه ، قيل : هذا (٤) عند الموت تضرب الملائكة وجوه الكفار [وأدبارهم](٥) بسياط النار. وقيل : أراد الذين قتلوا من المشركين ببدر كانت الملائكة يضربون ، (وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) ، قال سعيد بن جبير ومجاهد : يريد أستاههم ولكن الله حييّ يكنى. قال ابن عباس : كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربت الملائكة وجوههم بالسيوف ، وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم. وقال ابن جريج : يريد ما أقبل منهم وما أدبر ، أي : يضربون أجسادهم كلها ، والمراد بالتّوفي القتل. (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) ، أي : وتقول لهم الملائكة ذوقوا عذاب الحريق. وقيل : كان مع الملائكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار ، فتلتهب النار في جراحاتهم ، فذلك قوله تعالى : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ). [وقال الحسن : هذا يوم القيامة تقول لهم خزنة جهنم : ذوقوا عذاب الحريق](٦). وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يقولون لهم ذلك بعد الموت.
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤))
(ذلِكَ) ، أي : ذلك الضرب الذي وقع بكم ، (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ، أي : بما كسبت أيديكم ، (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، كفعل آل فرعون وصنيعهم وعادتهم ، معناه : أن عادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون. قال ابن عباس : هو أن آل فرعون أيقنوا أن موسى نبي من الله فكذّبوه ، كذلك هؤلاء
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) في المطبوع «يفيضون».
(٤) في المخطوط «هو».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع وط.