فتبدّى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، وقال لهم : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) ، أي : مجير لكم من كنانة ، (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) ، أي : التقى الجمعان رأى إبليس أثر الملائكة ، نزلوا من السماء وعلم أنه لا طاقة له بهم ، (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) ، قال الضحاك : ولّى مدبرا. وقال النضر بن شميل : رجع القهقرى على قفاه هاربا.
قال الكلبي : لما (١) التقوا كان إبليس في صفّ المشركين على صورة سراقة آخذ بيد الحارث بن هشام ، فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث : أفرارا من غير قتال؟ فجعل يمسكه فدفع في صدره [و] انطلق [هاربا](٢) وانهزم الناس ، فلما قدموا مكّة قالوا : هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة ، فقال : بلغني أنكم تقولون إني هزمت الناس ، فو الله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم ، فقالوا : أما أتيتنا في يوم كذا؟ فحلف لهم ، فلما أسلموا علموا أن ذلك كان (٣) الشيطان.
وقال الحسن في قوله : (وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) ، قال : رأى إبليس جبريل معتجرا ببرد يمشي بين يدي النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وفي يده اللجام يقود الفرس ما ركب بعد.
وقال قتادة : كان إبليس يقول : إني أرى ما لا ترون وصدق. وقال : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) ، وكذب والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوّة به ولا منعة فأوردهم وأسلمهم ، وذلك عادة عدوّ الله في من أطاعه إذا التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرّأ منهم. وقال عطاء : إني أخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك.
قال الكلبي : خاف أن يأخذه جبريل عليهالسلام ويعرّف حاله فلا يطيعوه. وقيل : معناه إني أخاف الله ، أي : أعلم صدق وعده لأوليائه لأنه كان على ثقة من أمره. (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) ، وقيل : معناه إني أخاف الله عليكم والله شديد العقاب. قيل : انقطع الكلام عند قوله أخاف الله ، ثم يقول الله : والله شديد العقاب.
[١٠١١] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة (١) عن طلحة بن عبد الله بن كريز :
أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة ، وما ذاك إلّا لما يرى من تنزّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ، إلّا ما كان من يوم بدر» ، فقيل : وما رأى يوم بدر؟ قال : «أما إنه قد رأى جبريل عليهالسلام وهو يزع (٢) الملائكة» ، هذا حديث مرسل.
__________________
[١٠١١] ـ ضعيف ، رجاله ثقات ، لكنه مرسل.
وهو في «شرح السنة» ١٩٢٣ بهذا الإسناد ، وفي «الموطأ» (١ / ٤٢٢) عن إبراهيم بن أبي عبلة به.
ومن طريق مالك أخرجه الطبري ١٦٢٠٤.
وهذا مرسل ، ووصله البيهقي في «الشعب» ٤٠٧٠ بذكر أبي الدرداء ، لكن فيه أيوب بن سويد الرملي ، وهو ضعيف ، والصواب مرسل كما رواه مالك.
(١) وقع في الأصل «علية» والمثبت هو الصواب.
(٢) وقع في الأصل «ينزع» وهو تصحيف.
__________________
(١) في المطبوع «لم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المخطوط «من».