قوله : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً).
فأحل الله الغنيمة لهم بقوله : (أَسْرى) جمع أسير مثل قتلى وقتيل. قوله : (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) ، أي : يبالغ [في](١) [قتل](٢) المشركين وأسرهم ، (تُرِيدُونَ) أيها المؤمنون (عَرَضَ الدُّنْيا) بأخذكم الفداء ، (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ، يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصركم دين الله عزوجل ، (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، وكان الفداء لكل أسير أربعين أوقية ، والأوقية أربعون درهما.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل ، فلما كثروا واشتدّ سلطانهم أنزل الله في الأسارى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ، فجعل الله عزوجل نبيّه صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا أعتقوهم وإن شاءوا قتلوهم ، وإن شاءوا استعبدوهم ، وإن شاءوا فادوهم.
(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩))
قوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) ، قال ابن عباس : كانت الغنائم حراما على الأنبياء والأمم فكانوا إذا أصابوا شيئا من الغنائم جعلوه للقربان ، فكانت تنزل نار من السماء فتأكله ، فلما كان يوم بدر أسرع المؤمنون في الغنائم وأخذوا الفداء ، فأنزل الله عزوجل : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) ، يعني : لو لا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحلّ لكم الغنائم. وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير : لو لا كتاب من الله سبق أنه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبي صلىاللهعليهوسلم وقال ابن جريج : لو لا كتاب من الله سبق أنه] لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتّقون الآية ، وأنه لا يؤاخذ (٣) قوما فعلوا أشياء بجهالة (لَمَسَّكُمْ) ، لنالكم وأصابكم ، (فِيما أَخَذْتُمْ) ، من الفداء قبل أن تؤمروا به ، (عَذابٌ عَظِيمٌ).
[١٠٢٤] قال ابن إسحاق : لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر إلّا أحبّ الغنائم إلّا عمر بن الخطاب فإنه أشار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتل الأسرى ، وسعد بن معاذ قال : يا رسول الله كان الإثخان في القتل أحبّ إليّ من استيفاء الرجال ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو نزل من السماء عذاب ما نجا منهم غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ».
فقال الله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)) ، روي أنه لما نزلت الآية الأولى كفّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء ، فنزل : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) الآية.
__________________
[١٠٢٤] ـ أخرجه الطبري ١٦٣٣٤ عن ابن إسحاق به ، وهذا معضل ، والوهن فقط في ذكر سعد بن معاذ.
وأما ذكر عمر فقد ورد من وجوه أخر ، أخرجه الحاكم (٢ / ٣٢٩ ح ٣٢٧٠) من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر ، وفيه : «...... فلقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمر فقال : كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء».
قال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال الذهبي : على شرط مسلم. وهو كما قال الذهبي رجاله رجال مسلم. لكن إبراهيم متكلم فيه ، ومع ذلك توبع.
وورد من مرسل عبد الرحمن بن زيد عند الطبري ١٦٣٣٣.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «قتال».
(٣) في المطبوع «يأخذ».