والرجل يكون في القوم وليس منهم [وليجة](١) ، فوليجة (٢) الرجل : من يختص بدخيلة (٣) أمره دون الناس ، يقال : هو وليجتي ، وهم وليجتي للواحد (٤) والجمع ، (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
قوله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) الآية ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما أسر العباس يوم بدر عيّره المسلمون بالكفر وقطيعة الرحم ، وأغلظ عليّ رضي الله عنه [له](٥) القول ، فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟ فقال له عليّ رضي الله عنه : ألكم محاسن؟ فقال : نعم ، إنّا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ، فأنزل الله عزوجل ردا على العباس : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) ، أي : ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله ، أوجب على المسلمين منعهم من ذلك ، لأن المساجد إنما تعمر لعبادة الله وحده ، فمن كان كافرا بالله فليس من شأنه أن يعمرها فذهب جماعة إلى أنّ المراد منه العمارة المعروفة من بناء المسجد ومرمته عند الخراب فيمنع منه الكافر حتى لو أوصى به لا يمتثل. وحمل بعضهم العمارة هاهنا على دخول المسجد والقعود فيه. قال الحسن : ما كان للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام. قرأ ابن كثير وأهل البصرة : مسجد الله على التوحيد ، وأراد به المسجد الحرام ؛ لقوله تعالى : (وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [التوبة : ١٩] ، ولقوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) [التوبة : ٢٨] ، وقرأ الآخرون : (مَساجِدَ اللهِ) بالجمع ، والمراد منه أيضا المسجد الحرام. قال الحسن : إنما قال مساجد لأنه قبلة المساجد كلّها. قال الفراء : ربما ذهبت العرب بالواحد إلى الجمع وبالجمع إلى الواحد ، ألا ترى أن الرجل يركب البرذون فيقول : أخذت في ركوب البراذين ، ويقال : فلان كثير الدرهم والدينار ، يريد الدراهم والدنانير. قوله تعالى : (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) ، أراد وهم شاهدون ، فلما طرحت وهم نصبت ، قال الحسن : لم يقولوا نحن كفار ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر. وقال الضحاك عن ابن عباس : شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للأصنام ، وذلك أن كفار قريش كانوا نصبوا أصنامهم خارج البيت الحرام عند القواعد وكانوا يطوفون بالبيت عراة ، كلما طافوا شوطا سجدوا لأصنامهم ، ولم يزدادوا (٦) بذلك من الله تعالى إلّا بعدا.
وقال السدي : شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو أن النصراني يسأل من أنت؟ فيقول : أنا نصراني ، واليهودي يقول : أنا يهودي ، ويقال للمشرك : من أنت (٧)؟ يقول : مشرك. قال الله تعالى : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) ، لأنها لغير الله عزوجل ، (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) ، [وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس معناه : شاهدين على رسولهم بالكفر لأنه ما من بطن وإلا وكذبه ثم](٨) قال تعالى :
(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨))
(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ) ، ولم يخف في الدين غير الله ولم يترك أمر الله [ونهيه](٩) لخشية غيره ، (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «وليجة» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «من يختصه بدخلة».
(٤) في المخطوط «الواحد».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «يزداد» والمثبت عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «مادينك».
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٩) زيادة عن المخطوط.