واقتلوهم حيث وجدتموهم ، (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) ، أي : لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم. وقيل : عن الكفر ، حضّ المسلمين على القتال (١).
فقال جلّ ذكره : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) ، نقضوا عهدهم ، وهم الذين نقضوا عهد الصلح بالحديبية وأعانوا بني بكر على خزاعة. (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) ، من مكّة حين اجتمعوا في دار الندوة ، (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ) بالقتال ، (أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، يعني : يوم بدر ، وذلك أنهم قالوا حين سلم العير : لا ننصرف حتى نستأصل محمدا وأصحابه. وقال جماعة من المفسّرين : أراد أنهم بدءوا بقتال خزاعة حلفاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (أَتَخْشَوْنَهُمْ) ، أتخافونهم فتتركون قتالهم ، (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) ، في ترك قتالهم ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧))
(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) ، يقتلهم الله بأيديكم ، (وَيُخْزِهِمْ) ، ويذلهم بالأسر والقهر ، (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ) ، ويبرئ داء قلوب قوم (مُؤْمِنِينَ) ، مما كانوا ينالونه من الأذى منهم. وقال مجاهد والسدي : أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث أعانت قريش بني بكر عليهم ، حتى نكئوا فيهم ، فشفى الله صدورهم من بني بكر بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم وبالمؤمنين.
(وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) ، كربها ووجدها بمعونة قريش بني بكر (٢) عليهم ، ثم قال مستأنفا : (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) ، فيهديه إلى الإسلام كما فعل بأبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ، (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
[١٠٣٤] روي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال يوم فتح مكة : «ارفعوا السّيف ، إلا خزاعة من بني بكر إلى العصر».
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ) ، أظننتم (أَنْ تُتْرَكُوا) ، قيل : هذا خطاب للمنافقين. وقيل : للمؤمنين الذين شقّ عليهم القتال ، فقال : أم حسبتم أن تتركوا فلا تؤمروا بالجهاد ولا تمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب ، (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) ، ولم ير الله (الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) ، بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم. وقال قتادة : وليجة خيانة. وقال الضحاك : خديعة. وقال عطاء : أولياء. وقال أبو عبيدة : كل شيء أدخلته في شيء ليس (٣) منه فهو وليجة ،
__________________
[١٠٣٤] ـ هو بعض حديث أخرجه أحمد (٢ / ١٧٩ و ٢١٣) وأبو عبيد في «الأموال» ٣٠٠ وابن أبي شيبة في «المصنف» (١٤ / ٤٨٧) من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ولفظ : «... كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر فإن لهم حتى صلاة العصر ....» وهذا إسناد حسن.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٦ / ١٧٧) : رواه أحمد ، ورجاله ثقات.
__________________
(١) في المخطوط «الجهاد».
(٢) في المخطوط «بكرا» بدل «بني بكر».
(٣) العبارة في المخطوط «في ما ليس منه».