والنصارى من غيرهم من المشركين نظر ، إن دخلوا فيه قبل النسخ والتبديل يقرّون بالجزية وتحلّ مناكحتهم وذبائحهم ، وإن دخلوا في دينهم بعد النسخ بمجيء محمد صلىاللهعليهوسلم لا يقرون بالجزية لا تحلّ مناكحتهم و [لا](١) ذبائحهم ، ومن شككنا في أمرهم بأنهم دخلوا فيه بعد النسخ أو قبله يقرّون بالجزية تغليبا لحقن الدم ، ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم تغليبا للتحريم ، فمنهم نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب أقرهم عمر رضي الله عنه على الجزية ، وقال : لا تحل لنا ذبائحهم. وأما قدر الجزية فأقلّه دينار ، لا يجوز أن ينقص منه ، ويقبل الدينار من الفقير والغني والوسط لما :
[١٠٥٦] أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزاق أنا معمر أنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ (٢) من كل حالم دينارا أو عدله مغافر.
فالنبيّ صلىاللهعليهوسلم أمره أن يأخذ من كل حالم ، أي بالغ دينارا ولم يفصل بين الغني والفقير والوسط ، وفيه دليل على أنها لا تجب على الصبيان وكذلك لا تجب على النساء (٣) ، إنما تؤخذ من الأحرار العاقلين البالغين من الرجال. وذهب قوم إلى أنه على كل موسر أربعة دنانير ، وعلى كل متوسط ديناران ، وعلى كل فقير دينار ، وهو قول أصحاب الرأي.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠))
قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [الآية].
__________________
[١٠٥٦] ـ حديث حسن ، رجاله رجال البخاري ومسلم إلا أنه منقطع بين مسروق وبين معاذ.
لكن للحديث شاهد ، والعمل عليه ، عبد الرزاق هو ابن همام ، معمر هو ابن راشد ، سفيان هو ابن سعيد الثوري ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو وائل هو شقيق بن سلمة مسروق هو ابن الأجدع.
وهو في «شرح السنة» ٢٧٤٦ بهذا الإسناد ، وفي «سنن الترمذي» ٦٢٣ عن محمود بن غيلان به.
وفي «مصنف عبد الرزاق» ٨٦٤١ عن معمر به.
وأخرجه أبو داود ١٥٧٨ والنسائي (٥ / ٢٥ و ٢٦) وابن ماجه ١٨٠٣ والطيالسي ٥٦٧ وأحمد (٥ / ٢٣٠) وابن حبان ٤٨٨٦ والدارمي (١ / ٣٨٢) والحاكم (١ / ٣٩٨) والدارقطني (٢ / ١٠٢) والبيهقي (٤ / ٩٨) و (٩ / ١٩٣) من طرق عن الأعمش به بألفاظ متقاربة.
وحسنه الترمذي وصححه الحاكم على شرطهما ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو داود ١٥٧٧ والدارقطني (٢ / ١٠٢) والبيهقي (٤ / ٩٨) من طريق الأعمش عن إبراهيم عن مسروق به.
وأخرجه الدارمي (١ / ٣٨٢) والبيهقي (٩ / ١٨٧) من طريق عاصم عن أبي وائل به. وفيه إرسال.
وله شاهد من حديث ابن مسعود ، أخرجه الترمذي ٦٢٢ وابن ماجه ١٨٠٤ ، وإسناده غير قوي ، لأجل خصيف الجزري ، لكن يصلح شاهدا لما قبله ، وانظر «العدة شرح العمدة» ص ١٦٩ بتخريجي.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) العبارة في المطبوع «فأمره أن يأخذ» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٣) في المخطوط «النساء».