[١٠٦٧] وروي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
لمّا نزلت هذه الآية كبر ذلك على المسلمين وقالوا : ما يستطيع أحد منّا يدع لولده شيئا ، فذكر عمر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «إنّ الله عزوجل لم يفرض الزكاة إلا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم».
وسئل عمر رضي الله عنه عن هذه الآية فقال : كان ذلك قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال.
وقال ابن عمر : ما أبالي لو أن لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده فأزكيه وأعمل بطاعة الله. قوله عزوجل : (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) ، قيل : لم قال : (وَلا يُنْفِقُونَها) ، ولم يقل : ولا ينفقونهما ، وقد ذكر الذهب والفضة جميعا؟ قيل : أراد الكنوز وأعيان الذهب والفضّة. وقيل : ردّ الكناية إلى الفضّة لأنها أعمّ ؛ كما قال تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) [البقرة : ٤٥] ، ردّ الكناية إلى الصلاة لأنها أعم ؛ كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : ١١] ، ردّ الكناية إلى التجارة لأنها أعم ، (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، أي : أنذرهم.
(يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦))
(يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) ، أي : تدخل النار فيوقد عليها ، يعني الكنوز ، (فَتُكْوى بِها) ، فتحرق بها ، (جِباهُهُمْ) ، أي : جباه كانزيها ، (وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) ، روي عن ابن مسعود قال : إنه لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم في موضع على حدته (١). وسئل أبو بكر الوراق : لم خصّ الجباه والجنوب والظهور بالكي؟ قال : لأن الغني صاحب الكنز إذا رأى الفقير قبض جبهته ، وذوى (٢) ما بين عينيه وولاه [جنبيه فإذا رآه أتى إليه من جنبه ولاه](٣) ظهره وأعرض عنه بكشحه (٤) ، [فهو قوله : (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ) الآية](٥). قوله تعالى : (هذا ما كَنَزْتُمْ) ، أي : يقال لهم هذا ما كنزتم ، (لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) ، أي : تمنعون حقوق الله تعالى في أموالكم. وقال بعض الصحابة : هذه الآية في أهل الكتاب. وقال الأكثرون : هي عامّة في أهل الكتاب والمسلمين ، وبه قال أبو ذرّ رضي الله عنه.
__________________
[١٠٦٧] ـ حسن. أخرجه أبو داود ١٦٦٤ والبيهقي (٤ / ٨٣) وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٣٩٠) من طريق غيلان بن جامع عن جعفر بن إياس عن مجاهد عن ابن عباس به.
وأخرجه أبو يعلى ٢٤٩٩ والحاكم (٢ / ٣٣٣) من طريق غيلان عن عثمان أبي اليقظان عن جعفر بن إياس عن مجاهد به.
وصححه الحاكم وقال الذهبي : عثمان لا أعرفه ، والخبر عجيب اه.
قلت : للحديث شواهد وطرق ، انظر تفصيل ذلك في «أحكام القرآن» ١١١٢ بتخريجي ، ولله الحمد والمنة.
__________________
(١) في المطبوع «حدة».
(٢) في المطبوع «روى».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «بشحه» وفي المطبوع «كشحه».
(٥) زيادة عن المخطوط.