قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) ، أي : عدد الشهور ، (عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) ، وهي المحرّم وصفر وربيع الأول وربيع الثاني وجمادى الأول ، وجمادى الآخرة ورجب وشعبان ، ورمضان وشوّال وذو القعدة وذو الحجّة. وقوله : (فِي كِتابِ اللهِ) ، أي : في حكم [كتاب](١) الله. وقيل : في اللّوح المحفوظ. قرأ أبو جعفر اثنا عشر وتسعة عشر وإحدى عشر بسكون العين ، وقرأ العامة بفتحها ، (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، والمراد منه الشهور الهلالية وهي الشهور التي يعتدّ بها المسلمون في صيامهم وحجّهم وأعيادهم وسائر أمورهم ، وبالشهور الشمسية تكون السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم ، والهلالية تنقص عن ثلاث مائة وستين يوما بنقصان الأهلة. والغالب أنها تكون ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما ، (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ، [أي] : من الشهور [الاثني عشر](٢) أربعة حرم وهي : رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم ، وأحد فرد وثلاثة سرد ، (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) ، أي : الحساب المستقيم ، (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) ، قيل : قوله : (فِيهِنَ) ينصرف إلى جميع شهور السنة ، أي : فلا تظلموا فيهن أنفسكم بفعل المعصية وترك الطاعة. وقيل : (فِيهِنَ) ، أي : في الأشهر الحرم. قال قتادة : العمل الصالح أعظم أجرا في الأشهر الحرم والظلم فيهنّ أعظم من الظلم فيما سواهنّ ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما. وقال ابن عباس : فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم يريد استحلال الحرام والغارة فيهنّ. قال محمد بن إسحاق بن يسار : لا تجعلوا حلالها حراما ولا حرامها حلالا كفعل أهل الشرك وهو النسيء ، (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) ، جميعا عامة ، (كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم. فقال قوم : كان كبيرا ثم نسخ بقوله : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) ، كأنه يقول فيهن وفي غيرهم. وهو قول قتادة وعطاء الخراساني والزهري وسفيان الثوري ، وقالوا : إن (٣) النبيّ صلىاللهعليهوسلم غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف وحاصرهم في شوّال وبعض ذي القعدة. وقال الآخرون : إنه غير منسوخ. قال ابن جريج : حلف بالله عطاء بن أبي رياح : ما يحل للناس أن يغزو في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها ، وما نسخت.
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧))
قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) ، قيل : هو مصدر كالسعير والحريق ، وقيل : هو مفعول كالجريح والقتيل ، وهو من التأخير. ومنه النسيئة في البيع ، يقال : أنسأ الله في أجله [ونسأ في أجله](٤) أي أخّر ، وهو ممدود مهموز عند أكثر القراء ، وقرأ ورش عن نافع من طريق البخاري بتشديد الياء من غير همز ، فقد قيل : أصله الهمز (٥) فخفف. وقيل : هو من النسيان على معنى المنسي أي المتروك. ومعنى النسيء هو تأخير تحريم شهر إلى شهر آخر ، وذلك أن العرب كانت تعتقد تعظيم الأشهر الحرم ، وكان ذلك مما تمسّكت به من ملّة إبراهيم عليهالسلام ، وكانت عامّة معايشهم من الصيد والغارة فكان يشقّ عليهم الكفّ عن ذلك ثلاثة أشهر على التوالي ، وربما وقعت لهم حرب في بعض الأشهر الحرم فيكرهون تأخير حربهم فنسئوا ، أي : أخّروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر ، وكانوا يؤخّرون تحريم
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «لأنه».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «الهمزة» والمثبت عن المخطوط.