ذكرهم](١) قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إن كنت تريد أن نؤمن بك (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) ، ليس فيه ترك عبادة اللّات والعزّى ومناة ، وليس فيه عيبها ، وإن لم ينزلها الله فقل أنت من عند نفسك ، (أَوْ بَدِّلْهُ) ، فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ، أو مكان حراما حلالا أو مكان حلالا حراما ، (قُلْ) لهم يا محمد : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) ، من قبل نفسي (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) ، [أي : ما أتبع إلّا ما يوحى إليّ](٢) فيما آمركم به وأنهاكم عنه ، (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) ، يعني : لو شاء الله ما أنزل القرآن عليّ ، (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) ، أي : ولا أعلمكم الله. وقرأ البزي عن ابن كثير : «ولأدراكم به» ، بالقصر به على الإيجاب (٣) ، يريد ولا علّمكم به من غير قراءتي عليكم. وقرأ ابن عباس : «ولا أنذرتكم به» ، من الإنذار. (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) ، حينا وهو أربعون سنة ، (مِنْ قَبْلِهِ) ، من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ، أنه ليس من قبلي ، ولبث النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيهم قبل الوحي أربعين سنة ثم أوحى الله إليه فأقام بمكة بعد الوحي ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستّين سنة ، وروى أنس : أنه أقام بمكة بعد الوحي عشر سنين وبالمدينة عشر سنين ، وتوفي وهو ابن ستّين سنة ، والأول أشهر وأظهر.
قوله تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ، فزعم أن له شريكا أو ولدا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) ، بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبالقرآن ، (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) ، لا ينجو المشركون.
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١))
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) ، إن عصوه وتركوا عبادته ، (وَلا يَنْفَعُهُمْ) ، إن عبدوهم (٤) ، يعني : الأصنام ، (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) ، أتخبرون الله ، (بِما لا يَعْلَمُ) ، الله صحته ، ومعنى الآية : أتخبرون الله أن له شريكا وعنده شفيعا بغير إذنه ولا يعلم الله لنفسه شريكا ، (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، قرأ حمزة والكسائي : تشركون بالتاء هاهنا وفي سورة النحل [١ ـ ٣] موضعين ، وفي سورة الروم [٣٣] ، وقرأ الآخرون كلها بالياء.
قوله تعالى : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) ، أي : على الإسلام [فاختلفوا](٥). وقد ذكرنا الاختلاف في سورة البقرة. (فَاخْتَلَفُوا) ، وتفرّقوا إلى مؤمن كافر ، (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) ، بأن جعل لكل أمّة أجلا. وقال الكلبي : هي إمهال هذه الأمة وأنه لا يهلكهم بالعذاب في
__________________
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وط.
(٣) في المطبوع «الإنجاب» والمثبت عن المطبوع وط.
(٤) في المطبوع «عبدوه» والمثبت عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.