كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤))
قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) ، الجهد والشدّة ، (دَعانا لِجَنْبِهِ) ، أي : على جنبه مضطجعا ، (أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) ، يريد في جميع حالاته ، لأن الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات. (فَلَمَّا كَشَفْنا) ، رفعنا (عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) ، أي : استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضرّ ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء ، كأنه لم يدعنا [إلى ضرّ مسّه ، أي](١) : لم يطلب منا كشف ضرّ مسّه (٢) ، (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ) ، المجاوزين الحدّ في الكفر والمعصية ، (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، من العصيان. قال ابن جريج : كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون من الدعاء عند البلاء وترك الشكر عند الرخاء. وقيل : معناه كما زيّن لكم أعمالكم كذلك زيّن للمسرفين الذين كانوا من قبلكم أعمالهم.
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) أشركوا ، (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ) ، أي : كما أهلكناهم بكفرهم ، (نَجْزِي) ، نعاقب ونهلك ، (الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) ، الكافرين بتكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوسلم ، يخوّف كفار مكة بعذاب الأمم الخالية المكذبة.
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ) ، أي : خلفاء ، (فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) ، أي : من بعد القرون التي أهلكناهم ، (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ، وهو أعلم بهم.
[١١٤٧] وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «ألا إنّ هذه الدنيا حلوة خضرة وإنّ الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون».
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧))
قوله عزوجل : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ، قال قتادة : يعني مشركي مكّة. وقال مقاتل : هم خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن وائل (٣) بن هشام. (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) ، [هم السابقون
__________________
[١١٤٧] ـ صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٤٢ وأحمد (٣ / ٣٥ و ٦٤) من رواية أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري به وصدره : «إن الدنيا حلوة خضرة ...».
وأخرجه الترمذي ٢١٩٢ وابن ماجه ٢٨٧٣ و ٤٠٠٠ و ٤٠٠٧ وأحمد (٣ / ١٩ و ٧٠) وأبو يعلى ١١٠١ من رواية حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مطوّلا.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.
(٢) في المخطوط «كشف ضرّه».
(٣) في المطبوع «عامر» بدل «وائل».