بما يعبّر عمن يعلم ويعقل ، ووصفت بصفة من يعقل ، (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ، كيف تقضون حين زعمتم أن لله شريكا.
(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠))
قوله تعالى : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) ، منهم يقولون : إن الأصنام آلهة وإنها تشفع لهم في الآخرة ظنا منهم ، لم يرد به كتاب ولا رسول ، وأراد بالأكثر جميع من يقول ذلك ، (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ، أي : لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئا وقيل : [لا](١) يقوم مقام العلم ، (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ).
قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) ، قال الفراء : معناه وما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون الله ؛ كقوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) [آل عمران : ١٦١] ، وقيل : (أَنْ) بمعنى اللام ، أي : وما كان هذا القرآن ليفترى من دون الله. قوله : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أي : بين يدي القرآن من التوراة والإنجيل. وقيل : تصديق الذي بين يدي القرآن من القيامة والبعث ، (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) ، تبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ، (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).
(أَمْ يَقُولُونَ) ، وقال أبو عبيدة : (أَمْ) بمعنى الواو ، أي : ويقولون : (افْتَراهُ) ، اختلق محمد القرآن من قبل نفسه ، (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) ، شبه القرآن (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) ، ممن تعبدون ، (مِنْ دُونِ اللهِ) ليعينوكم على ذلك ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أن محمدا افتراه ، ثم قال :
(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) ، يعني : القرآن ، كذّبوا به ولم يحيطوا بعلمه ، (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) ، أي : عاقبة ما وعد الله في القرآن ، أنه يؤول إليه أمرهم من العقوبة ، يريد أنهم لم يعلموا ما يؤول إليه عاقبة أمرهم. (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي : كما كذّب هؤلاء الكفار بالقرآن كذلك كذّب الذين من قبلهم من كفار الأمم الخالية ، (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) ، آخر أمر المشركين بالهلاك.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) ، أي : من قومك من يؤمن (٢) بالقرآن ، (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) ، لعلم الله السابق فيهم ، (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) ، الذين لا يؤمنون.
(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥))
__________________
(١) زيادة عن المطبوع.
(٢) في المخطوط «سيؤمن».