وقال مجاهد ومقاتل : فإذا جاء رسولهم الذي أرسل إليهم يوم القيامة قضي بينه وبينهم بالقسط ، (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ، لا يعذّبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجّة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيّئاتهم.
(وَيَقُولُونَ) ، أي : المشركون ، (مَتى هذَا الْوَعْدُ) ، الذي تعدنا يا محمد من العذاب. وقيل : قيام الساعة ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أنت يا محمد وأتباعك.
(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي) ، لا أقدر لها على شيء ، (ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ، أي : دفع ضر ولا جلب نفع ، (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، أن أملكه ، (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) ، مدّة مضروبة ، (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) ، وقت فناء أعمارهم ، (فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ، أي : لا يتأخّرون ولا يتقدّمون.
قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً) ، ليلا ، (أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) ، أي : ما ذا يستعجل من الله المشركون. وقيل : ما ذا يستعجل من العذاب المجرمون ، وقد وقعوا فيه. وحقيقة المعنى : أنهم كانوا يستعجلون العذاب ، فيقولون : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ، فيقول الله تعالى : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ) ، يعني : [أي شيء](١) يعلم المجرمون ما ذا يستعجلون ويطلبون ، كالرجل يقول لغيره وقد فعل قبيحا ما ذا جنيت على نفسك.
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦))
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) ، قيل : معناه أهنالك ، وحينئذ ، وليس بحرف عطف ، (إِذا ما وَقَعَ) نزل العذاب ، (آمَنْتُمْ بِهِ) ، أي بالله في وقت اليأس. وقيل : آمنتم به أي صدّقتم بالعذاب وقت نزوله ، (آلْآنَ) ، فيه إضمار ، أي : يقال لكم : الآن تؤمنون حين وقع العذاب؟ (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) ، تكذيبا واستهزاء ، [قرأ ورش عن نافع «الآن» بحذف الهمزة التي بعد اللام السكنة وإلقاء حركتها على اللام ، وبمدّ الهمزة الأولى على وزن عالان ، وكذلك الحرف الآخر ، وروى زمعة بن صالح الان على مثل علان بغير مدّ ولا همزة بعد اللام ، وقرأ الباقون (آلْآنَ) بهمزة ممدودة في الأول وإثبات همزة بعد اللام ، وكذلك قالون وإسماعيل عن نافع](٢).
(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) ، أشركوا ، (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ، في الدنيا.
(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) ، أي : يستخبرونك يا محمد ، (أَحَقٌّ هُوَ) ، أي : ما تعدنا من العذاب وقيام الساعة ، (قُلْ إِي وَرَبِّي) ، أي : نعم وربّي ، (إِنَّهُ لَحَقٌ) لا شك فيه ، (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) ، أي : بفائتين من العذاب ، لأن من عجز عن شيء فقد فاته.
(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) ، أي : أشركت ، (ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) ، يوم القيامة ، والافتداء
__________________
(١) زيادة عن المخطوط وفي ط «أيش» بدل «أي شيء».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من ط ومن المخطوط.