هاهنا بذل ما ينجو به من العذاب. (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) ، قال أبو عبيدة : معناه أظهروا الندامة لأنه ليس ذلك اليوم يوم تصبّر وتصنّع. وقيل : معناه أخفوا أي أخفى الرؤساء الندامة من الضعفاء خوفا من ملامتهم وتعييرهم ، (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) ، فرغ من عذابهم ، (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥)).
(هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)).
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ) ، تذكرة ، (مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) ، أي : دواء لما في الصدور من داء الجهل ، وقيل : (لِما فِي الصُّدُورِ) ، أي : شفاء لعمى القلوب ، [والصدر موضع القلب وهو أعزّ موضع في الإنسان لجوار القلب](١) ، (وَهُدىً) ، من الضلالة ، (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، والرحمة هي النعمة على المحتاج ، فإنه لو أهدى ملك إلى ملك شيئا [فإنه](٢) لا يقال قد رحمه ، وإن كان ذلك نعمة فإنه لم يضعها في محتاج.
قوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) ، قال مجاهد وقتادة : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن. وقال أبو سعيد الخدري : فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله. وقال ابن عمر : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : تزيينه في القلب. وقال خالد بن معدان : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : السّنن. وقيل : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : الجنّة. (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) ، أي : ليفرح المؤمنون أن جعلهم الله من أهله ، (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ، أي : [خير](٣) مما يجمعه الكفار من الأموال. وقيل : كلاهما خبر عن الكفار. [وقيل : عن المؤمنين](٤) وقرأ أبو جعفر وابن عامر : (فَلْيَفْرَحُوا) بالياء و (تجمعون) بالتاء ، وقرأ يعقوب كلاهما بالتاء ، [ووجه هذه القراءة أن المراد : فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما يجمعونه من الأموال](٥) ، مختلف عنه خطابا للمؤمنين.
(قُلْ) يا محمد لكفار مكة ، (أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) ، عبّر عن الخلق بالإنزال لأن ما في الأرض من خير ، فما أنزل الله من رزق من زرع وضرع ، (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) ، هو ما حرموا من الحرث ومن الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي. قال الضحاك : هو قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) [الأنعام : ١٣٦]. (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) ، في هذا التحريم والتحليل ، (أَمْ) ، بل (عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ، وهو قولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨].
(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أيحسبون أنّ الله لا يؤاخذهم به ولا يعاقبهم عليه ، (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ).
__________________
(١) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.
(٥) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع.