[والكسائي ويعقوب](١) : أني بفتح الهمزة ، أي : بأني ، وقرأ الباقون بكسرها ، أي : فقال إني ، لأن في الإرسال معنى القول : إني لكم نذير مبين.
(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦)) ، أي : مؤلم. قال ابن عباس : بعث نوح بعد أربعين سنة ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة. وعاش بعد الطوفان ستين سنة ، فكان عمره ألفا وخمسين سنة. وقال مقاتل : بعث وهو ابن مائة سنة. وقيل : بعث وهو ابن خمسين سنة. وقيل : بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة ، ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة ، قال الله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [العنكبوت : ٤٠] ، أي : فلبث فيهم داعيا.
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠))
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) ، والملأ هم الأشراف والرؤساء ، (وَما نَراكَ) ، يا نوح ، (إِلَّا بَشَراً) ، آدميا ، (مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) ، سفلتنا ، والرذل : الدون من كل شيء ، والجمع : أرذل ، ثم يجمع على أراذل ، مثل كلب وأكلب وأكالب ، وقال في سورة الشعراء : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١] ، يعني : السّفلة. وقال عكرمة : الحاكة والأساكفة ، (بادِيَ الرَّأْيِ) ، قرأ أبو عمرو (بادِيَ) بالهمز أي : أول الرأي يريدون (٢) أنهم اتّبعوك في أول الرأي من غير رويّة وتفكّر ، ولو تفكّروا لم يتّبعوك. وقرأ الآخرون بغير همز ، أي ظاهر الرأي من قولهم : بدا الشيء إذا ظهر معناه اتّبعوك ظاهرا من غير أن يتدبّروا ويتفكّروا باطنا. قال مجاهد : رأي العين ، (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ).
(قالَ) نوح : (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ) ، بيان ، (مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً) ، أي : هدى ومعرفة ، (مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) ، أي : خفيت والتبست عليكم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص : (فَعُمِّيَتْ) بضم العين وتشديد الميم ، أي : شبّهت ولبست عليكم ، (أَنُلْزِمُكُمُوها) ، أي : أنلزمكم البينة [والرحمة](٣) ، (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) ، لا تريدونها. قال قتادة : لو قدر الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام أن يلزموا قومهم لألزموا ، ولكن لم يقدروا.
قوله : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً) ، أي : على الوحي وتبليغ الرسالة ، كناية عن غير مذكور ، (إِنْ أَجرِيَ) ، ما ثوابي ، (إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) ، هذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد
__________________
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) في المخطوط «يريد».
(٣) زيد في المطبوع وط.