(وَقِيلَ) ، بعد ما تناهى أمر الطوفان : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) ، اشربي ، (ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) ، أمسكي ، (وَغِيضَ الْماءُ) ، نقص ونضب ، يقال : غاض الماء يغيض غيضا إذا نقص ، وغاضه الله [أي أنقصه](١) ، (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) ، فرغ من الأمر وهو هلاك القوم (وَاسْتَوَتْ) ، يعني : السفينة استقرّت (عَلَى الْجُودِيِ) ، وهو جبل [بأرض](٢) الجزيرة بقرب الموصل ، (وَقِيلَ بُعْداً) ، هلاكا (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وروي أن نوحا عليهالسلام بعث الغراب ليأتيه بخبر الأرض فوقع على جيفة فلم يرجع فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون في منقارها ولطخت رجليها بالطين ، فعلم نوح أن الماء قد نضب ، فقيل : إنه دعا على الغراب بالخوف فلذلك لا يألف البيوت ، وطوق الحمامة الخضرة التي في عنقها ودعا لها بالأمان ، فمن ثم تألف البيوت (١).
وروي : أن نوحا ركب السفينة لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة [لعشر مضت من محرم](٣) ستة أشهر ، ومرت بالبيت فطافت به سبعا وقد رفعه الله من الغرق وبقي موضعه ، وهبطوا يوم عاشوراء فصام نوح [ذلك اليوم](٤) وأمر جميع من معه بالصوم شكرا لله عزوجل (٢).
وقيل : ما نجا من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء إلى حجزته ، وكان سبب نجاته أن نوحا احتاج إلى خشب الساج للسفينة فلم يمكنه نقله فحمله عوج إليه من الشام ، فنجّاه الله تعالى من الغرق.
قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ، وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي؟ (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) ، لا خلف فيه ، (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) ، حكمت على قوم بالنجاة وعلى قوم بالهلاك.
(قالَ) الله عزوجل : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) ، قرأ الكسائي ويعقوب : (عَمَلٌ) بكسر الميم وفتح اللام ، (غَيْرُ) بنصب الراء على الفعل ، أي : عمل الشرك والتكذيب. وقرأ الآخرون بفتح الميم ورفع اللام تنوينه ، (غَيْرُ) برفع الراء معناه : أن سؤالك إيّاي أن أنجيه عمل غير صالح ، (فَلا تَسْئَلْنِ) ، يا نوح ، (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، قرأ أهل الحجاز والشام (فَلا تَسْئَلْنِي) بفتح اللام وتشديد النون ، ويكسرون النون غير ابن كثير فإنه يفتحها. وقرأ الآخرون بجزم اللام وكسر النون خفيفة ، ويثبت أبو جعفر وأبو عمرو وورش الياء في الوصل دون الوقف ، وأثبتها يعقوب في الحالين ، (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ، واختلفوا في هذا الابن ، قال مجاهد والحسن : كان ولد حدث من غير نوح ، ولم يعلم بذلك نوح ، ولذلك قال : (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، وقرأ الحسن : (فَخانَتاهُما) [التحريم : ١٠] ، وقال أبو جعفر الباقر : كان ابن امرأته وكان يعلمه نوح ولذلك قال : (مِنْ أَهْلِي) ، ولم يقل مني. وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والأكثرون : إنه كان ابن نوح عليهالسلام من صلبه. قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قطّ. وقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ، أي : من أهل الدين. وقوله :
__________________
(١) هذا وأمثاله من الإسرائيليات ، لا حجة في شيء من ذلك.
(٢) هو متلقى عن كتب الأقدمين.
__________________
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط ، والمراد مدة جريانها كانت حتى العاشر من المحرم ، وعبارة الطبري «فانتهى ذلك إلى المحرم» ذكرها عقب لفظ «ستة أشهر» وهو أقرب لرفع اللبس.
(٤) زيادة عن المخطوط.